في وسط ساحة القرية البعيدة التي كانت اخر قرية لما يُعرف بنهاية العالم, بأكواخها البسيطة وسكانها الجهلاء اللذين تربوا على صيد الاسماك والقليل منهم الفلاحون, فجسدت صورة المجتمع المتأخر عن البشرية انذاك, لما وصلته روما من تطور في مجالات العلم والحروب والزراعة, وايضا تحول معظم سكانها الى الديانة المسيحية بعد انبثاق الدين السماوي الجديد منذ اربعة قرون.
وجد في وسطها رجل يقف على خشبة مربعة تعلو الارض حوالي المتر, يرتدي زي كامل يغطي جسده زيتوني اللون وخشن الملمس, وشعره المحلوق في اعلاه كدائرة تاركً باقي الشعر يغطي رأسه, على خصره حبل مشدود ومتدلي النهاية, ووجدت قلادة بحجم اليد مصنوعة من الخشب على صدره, وهي الصليب الذي يحمله رجال الدين انذاك, حيث كان الناس يلقبونهم بالرهبان.
حشد من سكان القرية واقفين حول الراهب في وسط سوق القرية المليئ بالمحلات المصنوعة من رف او اثنين وضعت عليها الاطعمة او الاسماك او بعض الحاجيات الضرورية للانسان, وتغطي البائع والرف قطعة قماش تستند على اربعة سيقان من الخشب, الارض الطينية جعلت احذية السكان البالية مغطاة بالوحل حتى اسفل ركبهم, اطفال تجري وتلعب رغم البؤس والتعاسة لا يبالون بمستوى الترف او الفاقة.
اناس تبيع واناس تشتري واخرين يستمعون الى خطاب الراهب وهو يتحدث محاولا انارة عقول الناس حسب ما يدعي واكمل ينادي بصوت مرتفع "يا سكان القرية البسطاء, يا ايها الناس, ان الملاذ والطمأنينة قد نزلت من السماء, لقد انبثق العدل والاحسان متمثلا بالدين الذي انتشر في ارجاء الجمهورية الرومانية, انه الدين الالهي الذي انتظرناه طويلا نهيم في ظلمات الجحيم وكل ارض تدعي ان لها الهاً خاصا, او عدة الهة, ان المسيح هو مخلصكم وهو منقذنا جميعا من الجحيم, توبوا عن خطيئاتكم واعتنقوا الدين السماوي الجديد, واني اعدكم ان تجدوا السلام في قلوبكم, قبل ان يحل غضب الرب عليكم جميعا".
اجابه بعض الناس مستغربين من كيفية وجود اله واحد يستطيع تدبير كل شيء, وقاطعه اخرون يصرخون انهم لن يتركوا عبادة الهتهم التي كان يقدسها ابائهم, والبعض الاخر وهم اصحاب القلوب التي يحاول النور ان يتخللها, اعجبوا بكلام الراهب واثرت كلماته في مسامعهم.
لقرب القرية من الساحل كانت مع بداية كل خريف تكثر فيها الريح الباردة القادمة من البحار, والغيوم الرمادية تغطي القرية لتحجب نور الشمس, فالشتاء يأتي مسرعا على تلك المناطق والليل يكون طويلا وبليدا, والامطار تهطل تارة وتتوقف تارة منذرة بالشتاء القادم الذي سيجمد كل شيء.
وبينما البعض يصرخ في وجه الراهب يلعنونه ويتوعدونه بغضب الهتم, وهو يحاول الصمود ومواجهتهم كصرخة تصمد بوجه المد الغاضب, سار بين السكان بيروس وهو يحمل اريليوس على كتفه تتبعهم كلاريس, ولم يبلغ على وصولهم سوى عدة دقائق, سئلوا احد الرجال عن مكان الرجل الحكيم الذي سيعالج اريليوس, فأخبرهم انه يملك بيت صغير في نهاية السوق وقد جعله كدار علاج لمرضى القرية.
أنت تقرأ
فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَة
Historical Fictionوبين ثنايا الدهر وحتى في احلك الايام, حين يكسو السواد شعر الارض والمدن, وتُغطى السماء بلون الليل الاسود الداكن, ويوشك اسياد الشر على الانتصار. حينها يرتقي ضوء الحق, وتنافس شمعة الامل رياح الشر وتتشبت بقلوب خير البشر, وتزداد شرارة كلما قست الحياة على...