كانت تلك الفتاة تحدق نحو الافق في منتصف الظهيرة وهي واقفة في الشرفة المطلة على المنزل, لكن انظارها تحدق نحو وجهات بعيدة غارقة في التفكير والقلق واضح عليها.
جمعت يديها نحو اعلى صدرها واخذت تناجي بصمت داعيةٍ لذلك البعيد ان يكون بخير, نزلت قطرات الدمع من عينيها البارزتين ولاعب الهواء خصلات شعرها وحاول ابعاد الدموع عن خدها لتبقى وجنتها جافة كعالمها الصامت والبالغ الانجماد.
وبعد السكوت منذ ما يقارب ساعة, صعد ايرلندر يبحث عنها, فوجدها ضائعا في مكان اخر وجسدها واقف دون حراك, لم يشأ مقاطعتها وعاد ادراجه, لكن اسماعها كانت متنبهة فعلمت ان شخصا خلفها يتحرك, استدارت فوجدته يهيم بالخروج من الغرفة وهي لازالت تكمل تأملها في الشرفة, اتجهت نحوه ولامست كتفه ثم نظرت اليه بأبتسامة مشوبة بالحزن وسبقته لتنزل وتعود لاعمالها في مساعدة تيرينا.
استند ايرلندر على الحائط وراح يفكر هو الاخر في اعماقه لكأن وولفينا اصابته بتلك الحالة عندما لامست ذراعه, تمنى ان يكون اوميروس بخير وان يعود باقرب وقت, ثم تسائل في نفسه يقول: "اتمنى ان لا يتعلق ذلك القلب الحزين بشخص وهب حياته رهانٍ للموت, لا يعلم متى يختاره النرد ويسلبه ايامه من اجل شرف الوطن والمجد الذي يسعى اليه".
سمع صوت يناديه مقاطعاً افكاره, كانت تيرينا تطلب عونه ليساعدها في حمل بعض الاخشاب من اجل التجهز للشتاء القريب, خرج واتجه نحوها مسرعا واكمل يمد لهم يد العون.
........................
وفي ارض المعركة اغمض الجنرال عينيه وهو ينتظر لحظة النهاية, تحدث قائلا محاولا اعطاء الامل لرجاله: "لاتقلقوا ايها الرجال, ستصل المساعدة قريبا, وسيدفع الثمن هؤلاء الاوغاد".
ضحك الرجل ذو اللحية الحمراء وتحدث: "يؤسفني ان احطم لك اخر امالك في النجاة, لم اشأ ان تعرف ذلك لكني مجبر الان على جعلك تغادر هذا العالم وانت فاقد لكل شيئ, ايها الرجال احضروا له الهدية".
تقدم احد الرجال من بين جموع البربريين وهو يمسك في يده اليمنى شعرَ رأسٍ مقطوعة عن الجسد, رفعها عاليا ليشاهدها الجميع فكانت الصدمة.
نظر الجنرال نحو الرأس المقطوعة فكانت رأس الجندي الذي ارسله ليحضر الدعم, كيف تمكن الاعداء من الوصول الى المسكين! هذا ما تسائله الجميع مع انفسهم واخر شمعة للامل بنجاتهم انطفئت الان.
ضحك رجال العدو وهم يلوحون بالرأس الى اتباع الجنرال ليسلبوهم كل امالهم قبل قتلهم, تحدث زعيمهم بأستهزاء: "لقد اخبرتك انني سأسلبك كل شيئ وسأحرص على ان تلحقك عائلتك قبل مغيب الشمس, هيا اتلوا كلماتك الاخيرة".
حاول اوميروس التدخل بجنون دون تفكير فمنعه اريليوس قائلا: "عليك ان تثق بي, سننجو اعدك بذلك فقط انظر الى السماء".
أنت تقرأ
فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَة
Historical Fictionوبين ثنايا الدهر وحتى في احلك الايام, حين يكسو السواد شعر الارض والمدن, وتُغطى السماء بلون الليل الاسود الداكن, ويوشك اسياد الشر على الانتصار. حينها يرتقي ضوء الحق, وتنافس شمعة الامل رياح الشر وتتشبت بقلوب خير البشر, وتزداد شرارة كلما قست الحياة على...