العورة

2 0 0
                                    

صباح الخير
صحيت النهاردة على خبر بيقول: [إنجاز تاريخي، مبروك لمصر، فوز "البطل المصري" فلان الفلاني في بطولة مستر أولمبيا 2020 في لعبة كمال الأجسام، والتي تعتبر البطولة الأكبر والأشهر في لعبة كمال الأجسام وتُقام بشكل سنوي في أمريكا].

مع صورة لثلاثة رجال مفتولي العضلات بقطعة الملابس الداخلية فقط التي هي مجرد خيط رفيع بالكاد يستر العورة المغلّظة.

وشير بالهبل ده وقلوب.. والحقيقة يا جماعة محتاجين نقف شويه كتير قدام الخبر ده ونحاول نفهمه.

1. عندنا مستوى أوّل لتناول الخبر ده، وهو مستوى الاختراق الأخلاقي السطحي الي سهل نوعًا ما نلحظه، ألا وهو إن -صدّق أو لا تُصدّق- التعرّي بهذا الشكل للرجل مُحرّم.. لأن للرجل عورة يجب سترها من السُرّة إلى الرُكبة، هذا بالنسبة لنظر الرجال إلى الرجال، أما لو النساء أجنبيات عنه فعورته (بالنسبة لهن) كل ما عدا الوجه والكفّين على المعتمد = يعني لا يجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إلى ما عدا وجه الرجل الأجنبي وكفّيه.
فكوني أشوف رجال ونساء مشّيرين صورة رجال عريانة بعضلات وفخورين بيها = محتاج وقفة كبيرة أوي!
وكذلك بيحصل في بطولات التنس والسباحة وغيرها من هذا العك.
.
وصدّق أو لا تُصدّق تاني، إن ممارسة الرياضة -وإن كانت حلال في نفسها- فلا تبيح لك المُحرّمات.. زي التبرّج والتعرّي وإطلاق النظر واللمس المُحرّم وغيره.. كما لا تبيحه سيناريوهات الأفلام والشاشات.
.
وصدّق أو لا تُصدّق تالت، إن التعري عندنا حرام حتى لو كنت في بيتك بمفردك ومحدش هيبصّ عليك أصلا! هذا حُكم من حيث الأصل، وله استثناءات لتحقيق غرض ما، زي إنك تدخل الحمام لقضاء الحاجة أو الاستنجاء أو الاغتسال أو التبرّد أو الجماع أو غيره، وبعض الأقوال قالت بالكراهة دون الحُرمة.. وكذلك قالوا بكراهة أن ينظر المرء إلى عورته دون حاجة.
.
طيب ليه بقول الحُكم ده؟
عشان أقولك إن الأصل في شريعتنا الستر والحياء والعفّة، الستر مش بس عشان في ناس، أقصد الستر والعفّة هنا كحال قلبي ولو بينك وبين نفسك، الحياء أولًا من نظر الله تعالى لك قبل نظر الخلق.. (الحياء)، شُعبة الإيمان العظيمة التي يتكالب العالم الشهواني الآن للفتك بها بكل طريقة ممكنة!
.
2. لكن المستوى الأعمق من ذلك، الي عادةً مش بنقف عنده كتير رغم إنه الأهم، هو البُعد الفلسفي/الفكري/العقدي/النفسي الي ورا تلك الظاهرة ومثيلاتها.
.
فلسفة تحويل الإنسان إلى (شيء).. إلى سلعة معروضة على فاترينة.. إلى مُنتج مصنوع بمواد حافظة.. إلى مانيكان منحوت.. إلى كائن قالع ملط وداهن نفسه وواقف قدام الجمهور بيعرض جسمه للناس!!!.. ثقافة تمجيد الجسد بهذا الشكل القبيح.
سواء كان كمال أجسام ولا رقص ولا عرض أزياء وموديلز من إياهم، وغيره مما تطفح به علينا الثقافات الغربية كل يوم.
.
هل ده شيء صحّي أصلا وله علاقة بالرياضة أو الفتوة؟.... هل ده شيء إنساني؟... هل ده مطلب شرعي؟... هل ده عمل شريف؟.. هل ده ملائم لفطرة الإنسان السويّة؟... هل ده منظر يُرضي الله ورسوله؟
.
لدرجة إني بقرأ عن رجالة بتدمر جسمها بالكيماويات عشان يبقوا زيهم! وبنات بتدمر جسمها بعمليات تجميل ونفخ وشفط عشان يبقوا "ملكات جمال" بمقاييسهم الفاسدة!
.
قضيتي هنا مش في مجرد حُرمة العُري... قضيتي في إن الإنسان يشوف نفسه رخيص للدرجة دي حتى يكتسب قيمته من عرض جسده على الناس ليرضوا عنه ويُكرّموه طبقًا لمعاييرهم وفِطرتهم الفاسدة وأفكارهم المُختلّة الأقرب للبهيمية من الإنسانية.. قضيتي في معاني الكرامة وعزّة النفس والإباء والحياء والعفّة والستر التي سُلبت من الصدور حتى أصبحنا نألف تلك المناظر، ثم أصبحنا نتفاعل معها، ثم أصبحنا ننشرها، ثم أصبحنا نعقد لها البطولات والموتمرات والحفلات والتكريمات ونحتفل بها و"نتوّج أبطالها" ونفخر بهم.. ثم أصبحنا ننكر على من لم يحتفل معنا ونعتبره من المتطرفين المتشددين الذين يُغرّدون خارج السرب! زمن عجيب!

وإلى صاحبنا الذي فاز بالبطولة إن وصله كلامي هذا:
أما عن مجهودك وبذلك وضبطك لنفسك فهذا محمود جدا يا صديقي ونحييك عليه جميعا إن كان لمقصد شرعي صحيح وبضوابط شرعية لا تضر بدينك وصحّتك.. ولكن إنت كمُسلم أغلى بكتير أوي من هذا المقام الوضيع يا سيدي..  أعانك الله ويسر لك الأمر ونرجو لك الأفضل دوما.

رقائق 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن