ماذا لو...؟

83 22 17
                                    

تَفضل سَيدي اجلس وارتاح جيدًا لربما أَطيل فِي ثرثرتي قليلًا، أرى على وجهك الانزِعاج مِنْ صوت حليم العالي الذي يكاد أنّ يجعلك تفقد حاسة السمع، اخفِض الصوت على أنّ أحضر لك شيء تشربه.

تفضل كوب من المانجا الباردة تُعيد لِلقلب حيويته التي فقدها، المهم سيدي أنت بتأكيد تعرفني تمام المعرفة وتعرف ما أحبّهُ وما أكرهه ولعل أكثر شيء ذاع صيتي بهِ هو حُبّي للمطرب الراحل عَبّد الحَلِيم حَافِظ -رحمة الله عليه-، لو كان حيًّا إلى الآن لكان قد إنتحر خوفًا مني.

المهم سيدي أُريدك أن ترجع معي الى... ماذا تفعل؟
أقصد أن ترجع معي بتفكيرك ليس بجسدك!

المُهم سيدي إرجع بتفكيرك معي لتاريخ السابع والعشرون من مارس مِنْ عام الف تسعمائة سبعة وسبعون حيث صَمّت العندليب لأوّل مرة في حَياتهِ والآخيرة -أعرف أن معلوماتك القيّمة ستجعلك تقول أنهُ مات في الثلاثون من مارس لكنّ سيدي يَسّرني قول أنك مخطأ فحليم مات في السابع والعشرون ورجع إلى لندن وكانت جانزته في ثلاثون مِنْ مارس-

الإشاعات والأقوايل كثيرة والإدعائات أكثر، سيقولون مات بِسبب سرطان، بلهارسيا، غضب مِنْ الله عليه، لِنتحدث بِواقِعيةٍ أكثر فالسبب الحقِيقِي هو فشلٌ في الكبد بِسبب نقل دمٌ مُلّوثٌ له يوم وفاة الرئِيس الراحِل جمال عبد الناصِر وكأن عبد الناصِر أصرّ على ترك آثر داخِل حلِيم حتّى بعد وفاتهِ!

تخيّل سيدِي لو أنْ حلِيم استطاعوا عِلاجه وبدلًا مِنْ عودتهِ فِي صندوقٍ أسفل الطائِرة عاد كمسافرٍ يجلِس فِي مقاعدٍ مِنْ الدرجة الأولى أكمّل عملِيتهِ بِنجاحٍ والتفت لِفنّهِ!

أوّل احتمال وهذا أكِيد أنهُ كان سيغني «مِنْ غِير ليه» وبِالطبع بِصوت وإحساس حلِيم كانت ستكون شيء آخر ليست كما غنّاها عبد الوهاب.

وبِماّ أننا نتخِيّل فما رأيك أن نوسع التخيّل أكثر؟ ، فمثلًا لو عاش حلِيم إلى الآن -بعيدًا عَنْ إنْهُ سيكون قد شارَف على إكمال المِئة عام ولكنّ تخيّل سيدِي فَمنْ نحنُ بِدون تخيُّل؟- ورأى شَكل الغِناء الحالي كيف سيكون ردّة فعله؟

تخيّل أنْهُ سيرى الأغانِي الشعبِية والمهرجانات؟، أهذا الفَنْ الذِي أخلَص لهُ وأعطى مِنْ صحتِه حتّى يَستمِرّ؟

بِرأييّ المتواضِع أظنّ أنْ حلِيم كان سيُغيّر أغانِيهِ على الأُغنِية الحدِيثة مِثل أغاني (حماقِي) و(عمرو دياب)

الأغنِية الراقِية حقًّا ليست تِلك الكلِمات التي بِلا قيمةٍ وموسيقى تُسبِب الصَمّ، أو كان سيتَحدّى ذلِك التغيير وسيُحاول إثبات أنْ الأغانِي المسرحية لا يزالُ لها رونقها، فَبِطبِيعة حلِيم التِي ثارت على الغِناء فِي بِداية الخمسِينات وجعلتُها بسيطًا يستطيع الكُل أنْ يُغنِي وثار على نفسهِ في السبعينات وعاد لِلأغاني الطويلة ونجح فيهِا.

أتتوقع أنّ شعبيته كانت سَتقِل؟
سيتحوّل اِسم «عَبّد الحَلِيم حَافِظ» مِنّ اِسمٍ تشعُر بِالهيبة والوقار وأنتَ تنطقهُ إلى اِسمٍ بِلا معنى وبُلا قيمةٍ؟، رُبمَا لو شُفيّ لكان لم يُرحَم مِنْ النُقّاد والمُشككِين في مرضِه!

شككوا في مرضهِ ولم يصدقوه إلّا وهو في نعشهِ بِلا حولٍ ولا قوّةٍ غير قادِر على الدِفاع عنْ نفسهِ.

تَخَيّل سَيدِي أنْ تَنام على أمل شِفاء فَنّانك المُفَضّل وتَستَيقِظ على فجعةِ مَوتهِ؟

مَوتهِ كَان فَجَعة لِلوَسط الفَنيّ، بِداءً مِنْ مُحَمد عَبّد الوَهاب الذي حَبَس نفسهِ فِي غُرفِةِ حَلِيم مُحاولًا استشعارهُ حولهِ مُنكِرًا موتهِ.

والموجِي الذِي إِنَهار وصَرخ بإِنْهُ فَقّد اِبنًا مِنْ ابناءهِ.

المُهم يرى الكثيرون أنْ حلِيم سيحتفِظ باِسمهِ وسيستطِيع تصفِية النفوس الكارِهة لهُ بإحساسهِ وطريقتهِ، إلّا أنا أرى أنْهُ لو عاش فكان سيفقِد رونقهِ، موتةٌ فِي أوّج شهرتهِ أفضل مِنْ موتةٍ لا يعرِف عنهُ أحد.

لو كان حيّ لِما كان قِد انحدر الذوق العام فِي الأغانِي، لن يسمح بِأنْ يُخرِّب أحدًا ما سعى إليهِ وضحّى بِصحتهِ لإن يتطوّر.

لو كان حلِيم حيّ إلى الآن لكان آلمهِ سيَستمِر ومرضهِ، لرُبما كان سيُطفأ نَجمهُ الساطِع في عين أيّ حاقِد.

لو كان حيّ لكان قد اعتزل؟
فَكِّر بِها سيدِي لرُبما سَيجد أنْ الجِيل الجدِيد لابُدَّ أنْ يأخُذ فرصتهِ كما أخذها هو، كان سيعتزِل مُراقِبًا أحوال الفنّ مِنْ بَعيدٍ، بانِيًا أسرةً هادِئةً كَمّا كان يتمنَى.

لم يَكُن حلِيم كأيٍ شخصٍ أتى لِلدُنيا ورَحل مِنها، تربّع على عَرش الغِناء فِي حياتهِ وحتّى بعد موتهِ.

مَوت حَليم لم يَكُن كَمَوت أيّ فنّان، بل بِموتهِ مات رسول الحُبّ، مات لِسان وإحساس العُشّاق، بِموت حَلِيم فَقدنا الصوت التَائِه المُتخبِّط بين ثنايا الحُبّ وبين أعماقهِ، فَقدنا الصوت الثائِر ضِدّ وجه كل مُعتدٍ رغب فِي بَسط يديهِ على أرضِنا، فَقدنا الصوت المُتضرِع والخاشِع لله.

لم نَفقِد شخصًا واحدًا بل فَقدنا ثروة حقِيقِية، ولا تنسى أنْهُ عِند ظهورهِ ظَهر معهُ الجِيل الجديد مِنْ المُلحنِين أمثال «محمد الموجِي، كمال الطويل وبلِيغ حمدي».

أُتهِم زورًا أنْهُ يَقِف في وجه الجِيل الجدِيد، قضى آخِر سنواتهِ يُحاوِل نَفي تِلك التُهمَة عنهِ، ولرُبما الحلّ الأمثل في نَفِيها هي موتهِ لِنرى هل هو حقًّا السبب أمّ بِموتهِ فَقدنا أشهر صوت ذكوري في مصر والوطن العربي كُلهُ.

وأنت سيدي ماذا تتوقع لو كان حليم حيّ يُرزق إلى الآن؟

وقبل مغادرتك أدعو لَهُ بالرحمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهِ💜
6/3/2022

تعديلٌ بسيطّ أردتُ وضعهِ لِتحري الدِقة: عِند البحث والتفحيص في مسألِة متى توفى ومتى كانت جنازتهُ فلم أصل لِجوابٍ شافِعٍ، فالبعض يقول توفى -رحمهُ الله- في الثلاثون مِنْ مارِس ودُفِنَ فِي الثاني مِنْ إبريل.

والبعض يقول أنْهُ توفى في السابعة والعشرين مِنْ مارِس ودُفِنَ في الثلاثِين مِنْ مارِس.

لِذا لا أعرف أيهُمَا أصح والأجدَر بِالآخذ.

تمّ التعديل: 22/8/2023

آراء مُتسلطةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن