خَدَعُوكَ؟

69 15 13
                                    

خدعُوكَ فَقالوا أنّنا شعبٌ واحِدٌ.

خدعُوكَ فَقالوا أنّ الوطن العربِي كَالجسِدِ الواحِدِ.

خدعُوكَ فَقالوا العرُوبة وأنّ العرب قوّة.

خدعُوكَ فَملؤوا عقلِك أنّنا إخوة.

خدعُوكَ طِيلة حياتِك تحتَ الشِعارات البرّاقة كَقطعةِ بلاستِيك تلمَع دُون قِيمة.

كلامٌ فقط لِتستطِيع تَصدِيق أنّك لستَ وَحدك.

مِنْ المُثِير لِلسُخرِية أنّ هُناك أشخاصٌ لا يزالون مُعتقدِين بِهذا الهُراء!

أُناسٌ عاشُوا وماتُوا وهُم مُصدّقون أنّ الوطن العربِي يُحِبّ بعضهُم بعضًا.

خدعُونَا فَقالوا إنّنا قوّة مَهُولة يَخافُ مِنْها العالم أجمع.

دَعنِي أُصحِح لكَ هذا الهُراء وأُخبِرك أنّ العالم يَخافُ مِنّا وَلكن ليسَ لِشجاعتنَا بل لِغبائِنا.

فكّر بِرَبِّك كيف لِاثنين وعشِرين دولة نفس اللُّغة والدِين ومُترابِطة تَارِيخيًّا أنّ تُكِنَّ لِبعضِها هذا الكُره.

الاتّحاد الأُوروبُي الذِي لا يتفق لُغويًّا، دِينيًّا، تارِيخيًّا كَالجسدِ الواحِدِ.

لا تنخَدِع يا صغِيري بِهذهِ الكلِمات وآسفٌ أنّني سأُصدِمُك وسأنَسِف أهمّ شيئًا قد تسَنِد عليهِ ورُبما أُحطِّم آمالك البَرِيئة على صخَرةِ الواقِع أنّ هذا الشِعار ما هو إلّا أُكذُوبة أوهَمنا بِِه أنفسُنا.

فَليَشهد التّارِيخ أنّ المرّة الأولى وَالوَحِيدة التِي اتَّفق فِيها العَرب كانت في حَرب أكتوبر 1973.

لرُبما لم تحضُر هذهِ الأحداث لَكِنْ دَعْنِي أُخبِرُها لك، لم تحضُر الإمارات وهي تُساعِد «قوّات الدعم السَرِيع» لِقتل إخوتك فِي السُودان.

تُساعِدهُم لِيقتِلوا مَنْ ينقُل الصورة، لن تعرِف أبدًا -لِأنّها لن تُدَرِس لكَ- أنّ النِساء السُودانِييات يبحَثنَّ عنْ حبُوبٍ لِمنعِ الحَملِ أو فَتوى تُجِيز الانتِحار.

بِالتأكِيد لن تعرِف أنّ روسيا ضربت سوريا وأنّه ولا دولة تدخَلت إطلاقًا.

لُبنان، اليمن اللتّان ضُرِبتا مِنْ العَدوِ ذاتِه -تقريبًا- ولكن مَع اِختلافِ المُسمّيات، فَلُبنان ضُرِبت مِنْ الاِحتِلال -لا أودّ تلوِيثك بِذكرِ اسمُه- اليمن ضُرِبت مِنْ -ماما- أَمِرِيكا وبِرِيطانيا.

وَبِالطبعِ فَلسطِين التِي وَقفت وَاحد وعشرون دولة يتفرَّجنَّ دونَ التدُخّل، يَرُون أطفالًا ونِساءً وَهُم أشلاءٌ تَملأ الطُرُق، يُقتَل الإنسان أمام الكامِيرا بِدَمٍ بارِدٍ.

الناس مِنْ هولِ المشاهِد لم تَعُد تشعُر.

فَقط نرَسُل أكفانًا لَهُم، ولِأكون مُنصِفًا يا صغِيري لم يَكُن فِي أيدِينّا شيءٌ لِنفعلُه، فَقط نُراقِب عمَلِية إبادة جَمَاعِية لِإخوانِنا اللّذِيين يتحدّثون بِنَفسِ اللُّغة ونَفس دِيانتنا.

لَرُبما لا تعرِف لكَن يجِب أنّ تعرِف أنّ السعُودِية التِي كان مِنهَا خاتَم المُرسَلِين وَنبِيّ هذِه الأُمّة -صلى الله عليهِ وسلّم- كانت ترقُص وتُغنِي بينَما على بُعد بَعض الكِيلومترات يُقتَل إخوانِنا.

لِتعَلم يا صغِيرِي أنّهُ كان هُناك سلاحٌ بِيدّنا وَلا يُكلّفنا أيّ مالٍ بَل كان الحَلّ فِي مُقاطَعة هَذِه المُنتجات إلّا أنّهُ مَنْ استهزءوا بِهذا الحلّ.

أُحادِثك الآن ونحنُ فِي العام الألفِين والرابِع والعشرين وهُناك مَنْ يُصدّق أنّ الفلسطنِيين باعوا أرضُهم.

صَدقنِي أنّ هُناك يُهود فِي الوطنِ العربِي أكثر مَنْ في إسرائِيل نفسهُا.

خدعَونا جمِيعًا بِمُسَمّى «حقُوق الإنسان» فَكان أيّ شَيخٍ مُلتحٍ يفَعل شيئًا تقوم عليهِ الحَربِ -أذكُر أنّ هُناك شيخٌ رَكب في عرَبةٍ بِها أغانِي لم يفعَل شيئًا سِوى وَضع إصبعُه في أُذنِه اُتِهمَ بِالجنونِ-

فَجأة العالَم المُتحضِّر بات أَعمى عنْ رُؤية أشلاء إخوانِنا، حقوق الإنسان لِلإنسان الأبيض.. ماذا تقول؟! أغلب الفلسطِنيين بِيض البَشرة! أوه أسف لكنهُم عَرب.

لِتكتَمِل الدُعابة أتعرِف يا صغِيري مَنْ نَصرَ فلسطِين؟ لا ليست أيّ دولةٍ عربيةٍ أو إسلامية، بل هِي دولة أفريقية مسيحية هي مَنْ رفعت على إسرائِيل قضيّة بينما وقفنا جمِيعًا نُشاهد!

اعلَم يا صغِيري أنّه لا يُوجد أسوء مِنْ التعوّد، عِندما تَعتاد عَلى تِلك المشاهِد أعرِف أنّك تجرّدت مِنْ إنسانيتَك.

اعلَم أنّهُ أطفالٌ مِثل عُمرك وأصغر، شبابٌ يجِب عليهُم تنمِية بلدهُم، الأباء الذِين يركضُون لِتحصِيل قُوت يومِه وقوت أولادِه، الأُمهات التِي تُربّي جِيلًا صالِحًا كُل هُؤلاء قُتِلوا بِدمٍ بارِدٍ، حتّى الأرض ذ‌هبت، لم يعُد سِوى البقايا أنّ شعبًا كان يسكُن هُنا.

اعلَم يا صغِيرِي أنّ العالم سيئ لِدرجةٍ لا تستطِيع تخيُّلها، فَلا تنخَدِع بِأوروبا المُتقدِمّة التِي داسَت على آدميتِها وصارت مُتجوّعة لِلدمَاءِ، الوَطن العَربِي صار أعمَى القَلب والبَصِيرة بَل يُهاجِمون القتلى على ما فعلُوه، وعلى ما يقولونُه بل وصل الأمرِ لِلسُخرِيةِ مِنهُم.

أتعرِف يا صغِيري، لو أنّ النصرِ لم يَكُن مَذكُورٌ فِي القُرآنِ وأنّ نصرنا -نحن المسلمون- على اليَهودِ مُؤكّدًا في القُرآنِ لَكُنا قد مِتنا رُعبًا.

تمسّك بِدينك أكثر، تعلّمه، اقرأ قُرآنَك، تفكّر فِيه، لا تدعّ أي حدِيثٍ يُنسِيك إنسانيَتك وفِطرتَك التِي فُطِرت عليهَا.

ادعوا لِإخوانِنا في فلسطين، اليمن، السودان، سوريا أن تُزال الغمّة وألّا تتزَايد الدِول فلا أودّ إقلاقك لَكن الدُور عليْنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه.
- 13/1/2024

آراء مُتسلطةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن