«اليوم أخِر فرصة، أأنت مُستعِد؟»
قالتها بِنبرة صوتٍ مرتجفة، ابتلع الآخر ريقهُ بِصعوبةٍ، هزّ رأسهِ بِضيقٍ وخوفٍ يُسيطر عليهِ.«كُلما شعرت أنّك لن تقدر ضعّ أمام عينيك كُل الصِعاب التِي مررت بِها»
أردفت بعدما لاحظت خوفهُ محاولةً بثّ بعض الطمأنينة لِقلبٍ فقدهَا مُنذُ زمنٍ.
سمعت صوت دقّات قلبه، لاحظت عرقه الذي إحتل وجهه، شفاهه البيضاء مِثل الموتى، خطى أوّل خطواته بِبُطيءٍ وثِقلٍ شديدٍ، فقد قدرتهِ على السير تخلت قدميهِ عنهُ في هذا الموقف الصعب.
رنّ في أُذنهِ كوبلية حلِيم
«وسِرت وحدي شريدًا، مُحطّم الخطواتِ»قاعةٌ بيضاء كبيرةٌ ملِيئةٌ بِالمقاعِد الفارِغة، منظرٌ اعتياديٌّ لِكل طالِبٍ عاداهُ هو، لا يزال يخاف مِنْ قاعة الامتحان.
جلس ينتظِر الاختبار، قرأ كُل القُرآن الذِي يعرفهِ مُحاوِلًا التهدئِة مِنْ نفسهِ، جال بِبصرهِ مُتذكِرًا ما مرّ به، بدايةً مِنْ طفولةٍ فقيرةٍ وأبوين جاهِلين، لولا خاله وابنة خالهُ لظلّ بِلا تعليمٍ وجاهلٍ كما كان.
أسند خدهِ على كف يدهِ، عينيهِ تعكسان بؤس وشقاء الأيام، إمّا أنّ ينجح ويُحقِق حلمهِ ويخرِ كُل مَنْ سخر منهُ أو يستمع لِكُل ساخِرٍ ولِكُل عدو نجاح.
سيظلّ حبِيس كلامهُم بِدون فائِدةٍ خرج مِنْ شرودهِ على صوت المُعيدين وهم يصيحون على بِدء الاختبار.
ورقةٌ بيضاء أمامه، ورقةٌ بِها بعض الحِبر هي مِنْ ستُحدد مصيرهِ، بِتوترٍ وثُقلٍ أمسك قلمه وكم خانتهُ يداهُ، الآن فقط نسى كيف يكتُب اسمهُ، أكانت «الياء» تُكتب قبل «الواو» أمّ العكس؟، دعا الله مِنْ كُل قلبهِ وبدأ في الحلّ.
تجاهل كُل الأصوات الأتية التِي تناديه، رِغم وحدتِه إلّا أنّه بات حدِيث الجمِيع وباتوا الآن يرِيدون مساعدتُه.
وضع القلم في فمه مُنزِلًا قدمه على الأرض يهُزّها بِعُنفٍ وبِخطٍ لا يُرى -تقريبًا- خطّ على الاسئِلة التِي لا يعرِفها، عاد لِشرودِه مرّة آخرى.
«تبقى نِصف ساعة على انتِهاء الاختبار، مَنٍ يُرِيد تسلِيم الورقة فيمكنه هذا»
كانت تلكِ الجُملة كفيلة بِفزعهِ وارتجافهِ، أمسك القلم مُجددًا وراح يُحاول لِلمرّة الآخيرة.
في الجِهة الآُخرى، تقِف في انتظارِه خارِج القاعة بِقلقٍ وخوفٍ داعية مِنْ الله التوفِيق له، آخيرًا رأتهُ مِنْ بعيدٍ يسير وحِيدًا شارُد الذِهن، عبوس وجههِ يَدُل على وجهٍ نسى معنى التبسُم.
نظرت في عينيهِ ووصل لهَا ما أرادت معرفته، ربتت على كتفهِ مهوّنة، غادروا بِصمتٍ تامّ يجرّون ذيول الخيبة ورائِهم.
رأى آخر مَنْ يُرِيد رؤيتهِ بِهيئِته الكريهة وأسنانهِ الصفراء، قائِلًا بِسُخريةٍ:
«يبدو أنّ هُناك مَنْ سيعود معي كالكلب المُطِيع»لم يكترِث إلى أيّ شيءٍ كُل ما أراده النوم، ارتمى على السرير لِيمدّ يديه مُمسِكًا بِصورة مطربهِ المُفضّل -بِابتسامتهِ المعروفة مع شقيّ زيّنا وجههِ وعينين تفِضيان بِحديثٍ مِنْ كثرتهِ حُبِس-
مُتحدِثًا معاها بِقلقٍ غزى صوتهِ:
«بِرأيك سأنجح يا حلِيم؟»حاول طمئنة نفسه بِأيّ شيءٍ حتّى لو بِالكلام مع صورةْ يعرِف انّها لن ترُدّ عليه!
مرّت الأيام بِسُرِعةٍ لم يعهدها، دعوتِه الأولى والآخيرة «يا ربّ أنجح»
كوابيِسٌ تزورهُ يوميًّا، وكأنّ عقلهُ قرر عدم رحمتِه حتّى في نومِه
أتى اليوم الموعود، يجلِس على أعصابهِ مِنْ الفجر، صوت دقّات قلبهِ باتت أعلى مِنْ صوت دقّات عقارب الساعة.
دلفت لِغرفته سرِيعًا بِحجابها المُبعثُر، حاول استشفاف أيّ مشاعرٍ لِيُطمأن نفسهِ وكم كان هذا مُخيبٌ لِلآمال، وجههَا المُكفهِر لا ينبَأ بِأيّ شيءٍ جيّدٍ.
تنهد بِقهرٍ لعلهُ يخرِج مشاعرهِ الحِبيسة، خاب ظنّه وكم حزِن وليس كأنّها المرّة الوحِيدة التِي يفشل بِها، إنّ أراد تدوين حياتهُ في كتابٍ سيكون بِعنوان «دلِيلك لِلفشل في كُل شيءٍ.»
لاحظت حزنهُ فسُرعان ما قالت: «يوسف! أنت نجحت!»
نظر لها بِعينين جاحظتين غير مُصدِق!، كِلمةٌ مِنْ أربعة حروف كفِيلة بِزراعة الفرحة لأوّل مرّة في حياته!
ذهب مُسرِعًا لِيَمسِك بِصورة حلِيم قائِلًا بِفرحةٍ لا تَسِعُه «نجحت يا حلِيم! نجحت!»
«كان حلم جميل في خيالنا
ومغبش في يوم عن بالنا
وبنالنا قصور وفرشها زهور
في حياتنا ومستقبلنا»نظر لها بِحُب لِيهُبّ مِنْ مكانهِ حاضِنًا إياها بِقوّةٍ كاد أنّ يكسر ضلوعها.
«ولقيتني في عز هنايا والدنيا فرح ويّايّا
بتهني حبايبي معايا وتقول للكل ارتاحوا»قالت بفرحة في وسط ضحكها:
«ملقيت فرحان في الدنيا
زي الفرحان بنجاحه
الناجح يرفع إيده
هنغني في عيدنا وعيده»16/10/2021
_وحياة قلبي وافراحه.
_من فلم: الخطايا.
_غناء: عبد الحليم حافظ.
_كلمات: فتحي قورة.
_تلحين: منير مراد.
أنت تقرأ
آراء مُتسلطة
Aléatoireمَنْ أنا؟ لَرُبما تسألت سَيْدي عَنْ مَاذا أكون؟ باختصارٍ سَيْدي، أنا صوتُ صِياح كُل طَالِبٍ أو مُرَاهِقٍ مصري أو مصريةٍ، أنا الصوتُ المُهَمَّش غير المَسْمُوع. أنا الأفكَار والآراء التي يُهمِلها الكُل بِحُجّة صُغر السِنْ. أنا دائمًا المَنسِي وَسَط...