جرحٌ..

48 16 4
                                    

سِيدِي الغالِي تفضل هذا المشرُوب غير المُقاطَعة واسترخِ قليلًا، المُهِم اليوم كُنتُ أُحضِّر طبقًا مِنْ السلطِة لِيّ ولِأُسرتِي -حفظهُم الله لِي- وأثناءَ اندِماجِي فِي هذا البرنِامِج الذِي أُشاهِدِه وأنا وأُقطِّع جرحتُ إصبِعِي جرحًا ليسَ بِبسِيطٍ لم يُؤلِمنِي قدر ما أخافنِي مَشهُد الدِمِ وهو يَسِيل مِنْ إصبِعِي.

ظلَّ ينزِف كثِيرًا وعِندمَا كُنتُ أُحاوِل إيقافِه وأنا اتحَدّث مَع أخِي سَقطَت قطرِة دِمٍ على الوِسادةِ شعرتُ وقتهَا بِشُعورٍ غَرِيبٍ لم أفهمِه، مَنْظَرِ الدَمِّ وهُو يسِيل مِنْ إصبَعِي مُمتزجًا مع بياضِ المخدة أخافنِي قلِيلًا ورُغِم مُحاولاتِي المُستَمِيتة لِإيقافِ النزِيف لم أستطِع وهو إلى الآن لم يَقِف حتّى الآن -حدث هذا أثناء العصرِية والآن آذان العشاء يُؤّذن-

بِالطبعِ لن أُحادِثك فِي أمرٍ تافهٍ كهذا مُستحِيل، تذكرتُ مشاهِد دِماءِ شُهداءنا في غزّة ورفح، كيفَ الدِماءُ تسِيل مِنْ أعينهِم، أيدِيهم، أقدامهِم، أفواهِهم وياليتَ الأمر مُقتصِر فقط على الجُروحِ بل الأمر يسُوء لِدرجةِ بترِ الأعضاءِ.

شاهدُت video (مقطع فِيديو) لِطبيبٍ يضع قدِم ابنتِه فِي الثلِجِ حتّى يقطعَها، ماذا أوصِف لكَ؟ شعورُ الأبِ وهو يقطع جُزءًا مِنْ ابنتِه حرفيًّا وبِدون أيّ مُخدرٍ أو شعُورِ الابنِة التِي يُقطَع مِنهَا قدمَها دُونِ حتّى أيِّ شيءٍ يُقلِل الألمِ، الأبُ والابنة يعلَمان جِيّدًا فور ذهابِ تأثِير الثلج لن تكُف الابنِة عنْ البُكاءِ والألمِ.

محرقة رفح التِي حدثت 26 مايو الأبِ الذِي يحمِل جسدِ ابنهُ دُون رأسِه، أتتخيّل هذا؟! الطفل أحمد النجّار صاحِب الـ 18 شهرًا -أو ذو السنّة والنِصفِ- مالذِي لقاه آخر دقِيقة مِنْ حياتِه؟ كيف كان شعُورِه فور اِلتِقاط جسدِه النارِ؟! كيف شعر وقتمَا بدأ جسدِه يتآكَل مِنْ النارِ، هل كان خائِفًا؟ هل فهِمَ ما حدثَ لهُ؟! هل فَهِم أنّه مات محرُوقًا ورأسهِ فُصِلت عنهُ؟! أكان فقط ينتظِر البطاطا التِي يُحبّها؟ ما شعورِ والدِه فور مسكِه جسدِ آخر طِفلٍ لهُ محرُوق وبِدونِ رأسٍ؟، ما شُعور إخوتِه؟ الذِين رأُوا أخاهُم الصغِير بِهِذا الشكلِ؟!

الأمُ الفلِسطِينيّة التِي فقدت طِفلها وطفلتِها؟ وأرسَل لهَا الـ Facebook إشعارًا لِذكرياتِ العامِ الماضِي وإشعار «الأطفال يكبرُون بِسُرعةٍ» هل سيَفهم الـ facebook أنّ هؤلاءِ الأطفِال قُتُلوا بِدمٍ بارِدٍ على يدِ هذا الاحتِلال الغاصِب الغاشِم الذِي يدعمُه ويحجُب كل ما يخُصّ فلسطِين؟!

الإبادِة دخلت شهرها التاسِع، تِسعة أشهُر يُقتلون ويجوّعون على مرآى ومسمع مِنْ الجمِيعِ، كُل الجرائِمِ تُوثّق بِالصوتِ والصورةِ دُون تدّخُل أيِّ طرفٍ لِفضِّ هذِه الإبادة.

نراهُم ونحنُ نذهب لِجامعتنا ومدارسِنا وعملنا، أثناءَ دراستنَا ولهونا، أثناءَ طعامنا، وقبل نومنا، فِي رمضان، فِي العِيد، في كُل وقتٍ -لِلأسف-

آراء مُتسلطةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن