يأتي الثلاثون مِنْ مارس في كُل عامٍ لِيُذكِرنا بِمفقودِنا العزيز، حيثُ يسُود في الأجواء غِمامةٌ سوداءٌ في قلب كُل مستمع.
قبل ستة وأربعين عامًا ظنّ أنْها عمليةً بسيطةً كباقي العمليات لم يدرِ أنْ لِلقدر رآي آخرٍ.
استيقظ الجمهور على فجعةِ موتهِحقًّا؛ فمطربهُم المحبوب الذي شهدوا بدايتهِ بِدءًا مِنْ «صافيني مرة»
إلى آخر مرة وقف على المسرح لِيتغنى بِآخر أُغنية جديدة لهُ «وسترجع يومًا يا ولدي مهزومًا مكسور الوجدان»تعب الولد المهزوم وقرر الاستسلام لِيُلاقي والدتهُ فبدلًا مِنْ شقاء الدُنيا التي لم يرِ فيهِا إلا عِدة أيام تُعَدّ على الأصابع، ينعم مع والدتهِ التي لم يرَها في يومٍ مِنْ الأيام ولكنهُ سيراها يومًا ما..
القلب الذي نبض بِالحُب لم يكُّن يدري أنْهُ توّقف عنْ النبض وبات قلبًا ساكنًا يائسًا لا يكترث بِشيءٍ فقط يعيش على ما تبقى مِنْ ذكرياتٍ.
سكن لِسان الحُبّ توّقف عنْ الحديث فصِرنا ننقل ما قِيل لكنهُ بِأسلوبٍ باردٍ فمَنْ ذا الذي يستطيع نقل الكلام كيفما قِيل بِنفس الأحساس؟
بِموت حليم سكنت قُلوب العُشّاق، بات الحُب شيئًا يخجل الجميع مِنْ ذكرهِ..
لم تكُن أغاني عاطفية فحسب بل كانت دواءً لِكُل مجروحٍ لِيعرف تمام المعرِفة بِأنْهُ ليس الوحيد المجروح.
باتت لِلأغاني الوطنية فتورًا لا تستشعِر بِأيّ شيءٍ، وكأنها بعض كلماتٍ تُقال تفتقر لِحماسة «أموت أعيش ميهمنيش»
حتّى ولو كان -تطبيلًا- ولكنّك تُحِب أن تستمع لهُ فمثلًا «صورة، بلدي، بُستان الأشتراكية، فوازير، إحنا الشعب، يا جمال يا حبيب الملايين» رُغم أنْ عبد الناصِر ذُكِر فيها بِشكلٍ مُباشرٍ إلا أنْها أغاني عاشت معنا سنوات عديدة لا يُطفء ضوئِها أو رونقِها.
كانت كلِمات تُشجّع الجنود والعساكِر في لياليهُم الوحشية، ينامون على أغانيهِ يصبحون بِقوى لِلقِتال، رُبما شعورهِم أنْ هُناك مَنْ يشعر بِهِم.
تجِد في كُل موقفٍ أُغنيةٍ مِنْ أغانيهِ مُشتركة، حتّى في الدُعاء «أنا مِنْ تُراب، أدعوك يا سامِع ندايا، على التوتة والساقية»
نقف أمام قيمةٍ حقيقةٍ، لن تجد أبدًا أحد يمتلك مِثل هذه الجرآة لِيتغنى بِأغانٍ مِثل «قارِئة الفنجان، رِسالة مِنْ تحت المَاء، حبيبهَا، لست قلبي»
أبياتٌ بِاللُغة العربية الفُصحى يتغّنى بِها لِتخرُج كهذا العمل الفني الذي يعيش طِيلة تُلك الفترة فلا تموت مهما مرّ عليهِا مِنْ وقتٍ.
بِدون مُبالغةٍ فإنْ حليم لن يأتي مِثلهُ مهما تقدّم الوقت وكأنْهُ كان نُسخةٌ واحدةٌ ولن يتكرر نعيش فقط على ذِكراه وعلى الأغاني التي تركها خلفهِ.
وإلى الآن ما إن تجدّ أحد يستمع لهُ فإنهُ يُوصَف بِأنْ ذوقهِ عالٍ وفريدٌ مِنْ نوعهِ.
رُغم ما قساهُ مِنْ هجومٍ عليهِ إلا أنْه ظلّ إلى آخر لحظةٍ يُدافع عنْ فنّهِ ويخلِص لِجمهورهِ، يحزن ليلًا بِالإشاعات ويتحدث صباحًا مع المُذيعين وعنْ فلمهِ القادِم «لاء»
كُل كلِمات الرِثاء لن تُعوّضنا عنْ مَفقودِنا الذي خُطِف مِنّا على غفلةٍ ففِي لحظةٍ بات مَنْ يُطربُنا مدوّنٌ في سِجلّات الموتى.
خَلت الساحة بعد موتهِ فلا تَجِدّ بِها الشخص الذي يُقال عليهِ خليفة حليم في الغِناء؛ فرجلٌ في لُطفهِ وصوتهِ لن يُعوَض مهما مرّ مِنْ وقتٍ.
إنْ حقًا قلبي يُؤلمني كُلما رأيت صورًا مِنْ جنازتهِ، مُنذُ سبعة وستّين عامًا كان حيًّا يُرزق وسطنا.
خُلاصة القول سيّدي مهما مرّ مِنْ وقتٍ «حَلِيم» لا تموت أغانيهِ بل تزداد قِيمتهِا..
نقِف أمام موهبةٍ غير اعتياديةٍ أبدًا، مسيرة نجاح بدأت بِـ«صافيني مرة» وانتهت على فِراش الموت المُتلّوث بِدمائهِ التي حملها طِيلة حياتهِ مُتعذبًا بِها.
أُنهي حديثي معك سيدي بِقول أحمد رجب
«سكت شدو البلابِل الذي أشجانا على مَرّ الأيام، ولم يبقِ على الشجر إلا نعِيق الغِربان»ادعوا لهُ بِالرحمة والمغفرة سيدي..
والسلام عليكُم ورحمة الله وبركاتهِ.
23/3/2023
30/3/2023
أنت تقرأ
آراء مُتسلطة
Randomمَنْ أنا؟ لَرُبما تسألت سَيْدي عَنْ مَاذا أكون؟ باختصارٍ سَيْدي، أنا صوتُ صِياح كُل طَالِبٍ أو مُرَاهِقٍ مصري أو مصريةٍ، أنا الصوتُ المُهَمَّش غير المَسْمُوع. أنا الأفكَار والآراء التي يُهمِلها الكُل بِحُجّة صُغر السِنْ. أنا دائمًا المَنسِي وَسَط...