الكِتاب عبارة عن مجموعة من المقالات النارية. يوضِح الكاتب أنَّ هناك قنبلة على وشكِ الانفجار، وأنَّ الفتيل بدأ في الاشتعال، ثُم باقي المقالات يوضِح مشكلات عديدة منها: كيفية أن يَقوم حُكْم إسلامي في هذه الظروف التي نعيش فيها، ولو جاء حاكِم إسلامي عصري، وحاول أَخْذ الأمور بالتدرج والترفق؛ هل يَرضى عنه أهل الدعوة المتشددون؟ كما يوجه العناية إلى سحر الكلمات حيث يقول: لا تستهينوا بالكلمات؛ فالكلمة تَخْرُج كالطلقة لا تعود، وأكبر دليل هو أننا لم نهتم بالإعلام وكلماته. ويؤكد الدكتور (مصطفى محمود ) على أن تحرير الشعوب التي نادت بها الدول الغربية ما هي إلا لعبة وخدعة للشعوب.1- قنبلة على وشك الانفجار
كنت في (لندن ) من عشر سنوات. كانت جميع الشوارع تغطيها لافتات كبيرة من محاضرات الزعيم الروحي والصوفي الهندي (ماهیشی ). وكان الشباب يَحُجُّون إلى هذه المحاضرات، بنفس التعطش الذي يَسعون به إلى ملاعب الكرة، وقد أطالوا ذقونهم وأظفارهم، وعَلَّقوا المسابح في رقابهم. وقد سمعنا عن النبي الجديد (مون )، وما فعله في (أوروبا )، وسمعنا عن النبي الآخَر الزنجي (أليجا محمد )، الذي جَمَع حوله طائفة من أقوى الطوائف الإسلامية في (أمريكا ). وفي كل مرة نَرَي رجلًا يَظهر كداعية إلى الله؛ فيَجتمِع حوله الألوف من الشباب، يتابعونه في طاعة وبراءة الأطفال.
لقد فشلت التكنولوجيا وحدها في أنْ تَكُون هدفًا للحياة. وفشلت الحضارة المادية في أنْ تُقَدِّم المحراب البديل عن المسجد والكنيسة. وانهزمت الماركسية في امتحان التطبيق، وانكَشفت عوراتها وثغراتها، وفَقدت تلك اللمعة التي كانت تَجذب إليها الشباب. كما عَجَز رجال الدين التقليديون من قساوسة ومشايخ، عن مخاطبة الأجيال الجديدة؛ فأصبح الباب مفتوحًا عن آخره لأي زعامة متطرفة، يَقُودها أي شيطان مقنّع يُجيد الكلام، ويُتقِن هذه اللغة السحرية التي يَتكلم بها أهل الله، وعادة ما يَكُون هذا الشيطان من أصحاب القوى المغناطيسية في التأثير.
إني لأشعر أحيانًا أنَّ تحت أقدامنا فتيل قنبلة دينية زمنية، وأنَّ النار تَسْرح في الفتيل، وأنَّ القنبلة قاربت على الانفجار، وأننا في أشد الحاجة إلى إلى من يوجّه هذا الحماس الديني؛ حتى يأتي التحول بإصلاح وليس بموجات جديدة من الجرائم. والخيط دائمًا رفيع جدًا بين أهل الله وأهل الشيطان، خاصة إذا وضع أهل الشيطان رداءً دينيًا، واتخَذوا المصاحف والأناجيل شعارًا والدعوة إلى الله وإلى الفضيلة والتقوى وسيلة ملتوية، والفارق دائمًا هو تلك النبرة الحادة، وذلك الميل إلى التعصب.
2- الفراغ الديني لدى الشباب
تصلنا الأخبار كل يوم عن حوادث الشغب والتظاهر هنا وهناك. وما يَلفت النظر هو أنَّ الشعارات المرفوعة هي شعارات دينية، وأنَّ وراءها أموالًا سوفيتية أحيانًا. إنهم يَحرقون المؤسَّسَات ودور السينما، ويَقتلون الأطفال والشيوخ والنساء باسم الدِّين، وهو أَمْر مريب. فالسينما أداة علمية محايدة شأنها شأن البترول والبخار والذرة والكهرباء، وهي أدوات يُمْكن أن تُستخدَم في الخير، ويمكن أن تُستخدم في الشر، والفيلم السينمائي يمكن أن يَكُون داعيًا إلى الحق والخير والجمال، كما يمكن أن يَكون داعيًا إلى الانحلال. ولا ذنب لدور السينما ولا لرواد السينما، وإنما الذنب ذنب العقول الماكرة، والمذاهب التي تَستخدم هذه الأدوات للتخريب، والسوفييت هم أول مَن استَخدم السينما لهدم الأفكار الدينية، ونشر المادية في العالم كله.