من رسائل " أبو بكر الخوارزمي"

223 12 0
                                    

- ورد علينا فلان ونحن نيام نوم الآمنة وسكارى فكر الثروة ومتكئون على فراش العدل والنصفة ، فما زال يفتح علينا أبواب المظالم ويحتلب فينا ضرعي الدنانير والدراهم ويسير في بلادنا لا يسيرها السنور في الفار ولا يستخيرها المسلمون في الكفار ، حتى افتقر الأغنياء وانكشف الفقراء ، وحتى ترك الدهقان ضيعته ، وجحد صاحب الغلة غلته وحتى نشف الزرع وأهلك الحرث والنسل ، وحتى أخرب البلاد ، بل أخرب العباد ، وحتى شوق إلى الآخرة أهل الدنيا وحبب الفقر إلى أهل الغنى ، وحتى لُقب بالجراد وكني أبا الفساد ، وحتى صار الدرهم في أيامه أقل من الصدق في كلامه ، صار الأمن في أعماله أعز من السداد في أفعاله . فليته إذ أوحش الرجال حصل المال ، وليته إذ ضيع المال أرضى الرجال ، ولكنه حُرم الاثنين فأفلس من الجهتين .
ووالله ، ما الذئب في الغنم بالقياس إليه إلا من المحسنين ، ولا السوس في الخز في الصيف إلا من المصلحين ، ولا الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق إلا أول العادلين ، ولا يزدجر الأثيم في أهل فارس بالإضافة إليه إلا من النبيين والصديقين ، ولا فرعون في بني إسرائيل إذا قابلته به إلا من الملائكة المقربين .
- كتابي – وقد خرجت من البلاء خروج السيف من البلاء خروج السيف من الجلاء وبروز البدر من الظلماء ، وقد فارقتني المحنة وهي مفارقٌ لا يشتاق إليه ، وودعتني وهي مودع لا يبكي عليه . فالحمد لله تعالى على محنة يُجليها ونعمة ينيلها ويوليها . كنت أتوقع أمس كتاب سيدي بالتسلية ، واليوم بالتهنئة : فلم يكاتبني في أيام البرحاء بأنها غمته ولا في أيام الرخاء بأنها سرته . وقد اعتذرت عنه إلى نفسي وجادلت عنه قلبي فقلت : أما إخلاله بالأولى فلأنه شغله الاهتمام بها عن الكلام فيها ، وأما تغافله عن الأخرى فلأنه أحب أن يوفر على مرتبة السابق إلى الابتداء ويقف بنفسه محل الاقتداء لتكون نعم الله تعالى موقوفة من كل جانب علي ومحفوفة من كل بيئة بي . فإن كنت أحسنت الاعتذار عن سيدي فليعرف لي حق الإحسان وليكتب لي بالاستحسان . وإن كنت أسأت فليخبرني بعذره فإنه أعرف مني بسره ، وليرض مني بأني حاربت عنه قلبي ، واعتذرت من ذنبه حتى كأنه ذنبي وقلت : يا نفس ، اعذري أخاك وخذي منه ما أعطاك ، فمع اليوم غدٌ ، والعود أحمد ! 

عَالَمُ الكُتُبْ 📖 - 📚 Books World حيث تعيش القصص. اكتشف الآن