الكون لم يبن عبثًا ولا فوضًى ولا سدًى، بل بالحقّ والغائية والجمال والقانون، والاستبداد مرض اجتماعي يمكن أن يصيب أي مجتمع، وليس أي مجتمع محصَّنًا ضده، وانتشار الاستبداد في العالم العربي يجب أن نفهمه مقلوبًا، ليس في وجود المستبدّين، بل في الاستعداد لنمو مثل هذه الحشائش السامة في التربة العربية. وأخطر التجليات هي عدم وجود المعارضة التي تمنح التوازن في المجتمع، ولذا فالمشكلة ليست في إزالة الطاغية، بل بناء مجتمع محصّن من الطغيان.
1- قصة الحكيم والمرأة والنمر
يقول ملخص القصة أنَّ (كونفوشيوس) قال لامرأة تبكي، مات والد زوجها وزوجها وابنها على يد نمر في نفس المكان، قال: لماذا لم تتركوا المكان؟ فردّت: ليست هنا حكومة ظالمة! فقال: تذكروا قولها يا أولادي، إن الحكومة الظالمة أشدّ فظاعة من النمر.
إن الحياة في غابة أفضل من الحياة في مجتمع بدون قانون، ولكن (راسل) يرى أن المخلوقات البشرية لا بد أن تعيش على نحو جماعي، ولكن رغباتها خلافًا للنحل تبقى فردية، وهنا تنشأ المتاعب والحاجة الماسّة إلى قيام السلطة.
الطغيان مرض اجتماعي إنساني؛ فلم نسمع أن نحلة مثقفة هتفت بالحرية ضد الظلم، وإذا حاولت نحلة أن تدعي الثقافة فترقص لقطيع النحل فقد يستمتعون برقصها، ولكن مفهوم الطغيان قد يضيع وقتهم عن جمع الرحيق وإنتاج العسل. والعقارب تسير على وجه الأرض منذ أربعمائة مليون سنة، ولكن لم يحدث أن حصل انقلاب عسكري بين صفوفهم يقوده الرفاق الثوريون، كما لم نسمع عن ثورات في مجتمع النمل!
2- في معنى ضرورة المجتمع للإنسان
يبني (ابن خلدون) نظريته عن ضرورة الاجتماع الإنساني على نقطتين: الغذاء والدفاع؛ فلا يمكن لإنسان أن يطعم نفسه رغيفًا من الخبز لولا تعاون سلسلة لا نهائية من الصناعات والمهارات؛ فلقمة الخبز البسيطة ليست بسيطة، ومع إنتاج لقمة الخبز تبرز مهارات لا نهائية من الصناعات، ويأمن الإنسان على نفسه من خوف ويطعم من جوع، فهذه هي الحضارة، والحضارة هي مجتمع المدينة.
ويطرح (راسل) نقطة أن اجتماع بني البشر ضرورة، وأن الإنسان إذا عاش مع الحيوانات خرج حيوانًا ولا يصبح إنسانًا، والمجتمع هو الذي يجعل من طينة الآدمي بشرًا سويًا، يتكلم ويتواصل ويتقن المهارات، ولكن المشكلة من وجهة نظره أن اندماج البشر في وحدة اجتماعية يتولد منه الطغيان؛ فالإنسان يحوي الفردية، والتناقض بين الحرية الفردية والضغط الاجتماعي هو الذي يولد إشكالية الطغيان.
حاول الملك (فريدريك) في القرن الثالث عشر للميلاد إيجاد أصل اللغة؛ لأن اللغة تعتبر عمق تشكيل الإنسان وحضارته؛ فقام بتجربة عجيبة قاسية، بحيث عزل أطفالا حديثي الولادة عن أهلهم مع حاضنات يرعونهم ولكن "على الساكت "، فنشئوا في مجتمع أخرس لا كلام فيه، وجلس الملك ينتظر النتيجة ليرى بأي لغة سيتحدثون؟ والذي حدث أن الأطفال لم يتكلموا لغة قط، بل طواهم الموت الرهيب! فيبدو أن اللغة والكلام ومناغاة الطفل تشكّل غذاءً ثانيًا به يعيش، وبدونه يلاقي حتفه.
إن الإنسان الذي ينشأ محرومًا من المجتمع، من المفترض أن ينشاً "لا شيء " ويصبح "لا إنسان "؛ فالمجتمع - في الواقع - يشكل الإنسان ويعطيه البعد الجديد، فلا يكفي أن يولد الإنسان من أبوين منتسبين لمجتمع إنساني كي يصبح الإنسان عالمًا ناطقًا متحضّراً؛ فالثقافة لا تنتقل عبر الموروثات، بل هي أمر كسبي بحت؛ فنشأة الإنسان ضمن مجتمع تنقله من "معادلته البيولوجية " إلى "معادلته الاجتماعية ".
3- تجربة الإمام (الغزالي) في اكتشاف قانون الفطرة
4- السجون الأربعة
5- سفر الخروج من نفس الديكتاتورية إلى فضاء الحرية
6- الانتخابات والاجتماعات والمؤتمرات في العالم العربي
7- أسباب الطغيان
8- الوسط والفرد وحقول التبادل
9- المثقف وعلاقات القوة
10- القادة والأتباع