لا يناقش هذا الكتاب العلموية أو فكرة تقديس العلم واعتباره مصدرًا أوحدًا للمعرفة بشكل مباشر، بل يركز الكتاب على الممارسة البشرية للعلم وكيف يحصل الاحتيال والغش في أروقة العلم مِن العلماء أنفسهم الذين من المفترض أنهم يسعون إلى الكشف عن الحقيقة فقط. فهذا الكتاب يبين أن مَن يمارسون العلم هم بشر تدفعهم أهواؤهم وتطلعاتهم الذاتية أكثر من رغبتهم في الوصول للحقيقة، ويعتبر الغش والاحتيال جزءًا لا يتجزأ من مجتمع العلماء لا شيئًا عارضًا من بعض “الأفراد”.
كتاب “خونة الحقيقة” من تأليف كلٍ من “ويليام برود” و”نيكولاس واد”، وتُرجم مِن قِبل مركز براهين للأبحاث والدراسات. ربما لم تكن الترجمة سلسة في بعض الأحيان، إلا أن الأفكار الواردة في الكتاب كانت واضحة وجلية. يتألف الكتاب من اثني عشر فصلًا تدور حول ثلاث أفكار رئيسية: الغش والاحتيال متأصلان بشكل كبير في أروقة العلم والمجتمع العلمي وليس حالات فردية كما يحاول البعض إظهاره، والآليات التي وُضعت من أجل تسيير العلم بشكل دقيق لا تمنع الاحتيال بل أحيانًا تساعد في زيادته، والعلماء ليسوا حراسًا للعقلانية والموضوعية بل هم بشر لهم تطلعات وآمال ويواجهون تحديات مختلفة.
فالعلماء التجريبيون الذين يتبعون خطوات المنهج العلمي الذي يبدأ بالملاحظة، ثم وضع الفرضيات، وصولًا إلى اختبار الفرضيات وجمع البيانات والتوصل إلى النتائج يقعون في الغش والتلاعب من خلال تحسين البيانات للتوصل إلى نتائج أكثر دقة، أو ذكر البيانات التي تدعم الفرضية مع إغفال البيانات التي لا تدعم الفرضية، أو الانتحال وسرقة أوراق وتجارب الآخرين، أو غيرها.
* نظرة تاريخية :
يصر المؤلفان على أن الخداع والغش متأصلان في المجتمع العلمي وبين العلماء التجريبيين منذ زمن بعيد، ويعرضان العديد من الأمثلة على حالات من الغش والخداع حتى من علماء مشهورين جدًا في عالمنا اليوم. فمثلًا غاليليو الذي تعرض لاضطهاد الكنيسة بسبب دفاعه عن نظرية كوبرنيكوس قام بتضخيم وتحسين نتائج تجاربه ليحصل على قانون دقيق.
كما قام نيوتن بتعديل حساباته لسرعة الضوء من أجل أن توافق حساباته النظرية بشكل دقيق، ولم يتم كشف هذا التلاعب في الحسابات إلا بعد 250 سنة!
وها هو داروين يتهمه البعض أنه أغفل ذِكر الأعمال المماثلة التي سبق وتكلمت عن أفكار مماثلة لنظريته في أصل الأنواع، وهذا يُعتبر نوعًا من الغش؛ لأنه يعطي انطباعًا بأصالة وتفرد داروين في اكتشافاته، وهو ما ليس دقيقًا. أما جريجور مندل الذي اكتشف الصفات الوراثية أو الجينات فإنه متهم بتزوير بيانات أغلب التجارب التي قام بها حتى تتفق مع توقعاته الخاصة.
وهكذا فحتى العلماء الذين خلدت الكتب أسماءهم قد وقعوا -تحت بعض الضغوط من منافسة الأقران وتحقيق النجاح والشهرة- في الغش والاحتيال سواء بعدم الاعتراف بمجهودات من سبقهم ليظهروا كأنهم اكتشفوا شيئًا لم يسبقهم إليه أحد أو بتزوير البيانات والحسابات حتى تتوافق مع نظرياتهم.