“الدراويش يبحثون عن الحقيقة” عنوان لمسرحية قصيرة مؤلفة من ثلاثة مشاهد كتبها مصطفى الحلاج عام 1970 ، ويقول فيها حنا مينه أثناء تقديمه للكتاب : “وهي بالتأكيد ، لم تكتب للعام الذي ظهرت فيه ، ولا للذي سبقه أو يليه ، بل لكل عام يمضي ، وكل عام يأتي ، لأنها كقضية انسانية ، تحمل قضية الانسان في كل زمان ومكان” .
تتمحور أحداث المسرحية حول بطلها “درويش عزالدين” الذي تم القاء القبض عليه نسبة لتشابه في الأسماء مع ثائر يساري يحمل نفس الإسم ، فيصبح درويش المعلم (بطل المسرحية) هو درويش التاجر (اﻵخر) في محاولة منه للهروب من آلام التعذيب وعقلية المحقق الذي يريد الإقتصاص من درويش الثائر بجميع دراويش الأرض لطالما ظنوا أنهم بمعزل عن قذارة العالم !
حيث يقول درويش المتهم :
“أعرف ان أحدا اذا ما القى حجرا في وسط البحر اهتزت شطآن الدنيا كلها .. هذا هو ما حدث بالضبط .. جاء أحد الدراويش والقى الحجر ، وعلى جميع دراويش الأرض اذن ان تهتز اجسامهم المسكينة ويرجعوا الصدى .. أنا نفسي واحد من هؤلاء الدراويش ، وعلي ان اهتز للصدى .. الجريمة هي جريمة كل الدراويش .. وقد حق عليهم بسببي العذاب والخراب” .
في المشهد الثاني من المسرحية يعيش البطل صراعا وهميا بين زوجته الحقيقية (زينة) وزوجة اﻵخر (صبيحة) التي اصبحت تخصه بعد أن تقمص شخصية اﻵخر تحت التعذيب ، فيكون الصراع بين أن يحمل هموم العالم ويجابهها وبين أن يعود مسالما لا شأن له بما يحدث . فيدور الحوار التالي :
-درويش : سأنزع العالم من قلبي وأطرحه خارجا .. بل سوف اطرحه في مستنقع آسن .
-صبيحة : ليس العالم وسخا عالقا بثوبك يا درويش .. انه في قلبك .
_درويش : ليس في قلبي .. كذب .. انه وسخ وسوف اتطهر منه .
-صبيحة : انظر في قلبك .. انظر .. تره يفور من نبع .
_زينة : اطرحه .. انه وسخ طارئ .
-درويش : أسكتي .. ما ادراك انت ما هي جلية الأمر ؟ .. دعيني اتبين الحقيقة .. هل هو نبع يفور من قلبي أم هو وسخ طارئ ؟ .. اذا كان وسخا طارئا فلماذا تراه يفور ؟ . امتاحه كما يمتاح الملاح الماء من سفينته ثم تمتلئ به من جديد ؟ أهو اﻵن في قلبي ! .. أخبرني يا قلبي البائس .. هل يفور العالم في حناياك كما يفور الدم ؟ . ايكون العالم هو ما يجري فيك ؟ . ايكون العالم هو دمي .. تراه هو دمي عينه .. هو دمي عينه ..
-صبيحة : عرفت أخيرا يا درويش .
انفجر النور يا درويش كما ينفجر نور الصباح .. ولا حيلة في استرجاع الظلمة الآفلة .. انت تبصر اﻵن يا درويش .
-درويش : احترقت عيناي من الابصار .. احترقتا .. احترقتا ..
-صبيحة : افتحهما الى اوسع مدى .. ابصر اكثر ..
_درويش : الرؤيا تبهرني .. قلبي يرتعد مما أرى .. داخ رأسي .. داخ كأنما أنا محمول على جناح برق ..
_صبيحة : امض معي يا درويش فأنا جناح البرق .. امض لتر أكثر مما رأيت وتسمع أكثر مما سمعت وتحس أعظم مما أحسست .. فات زمن العودة يا درويش .. عيناك أصبحتا كالرصاص الذائب .. واسعتين .. براقتين فيهما اصباغ العالم وألوانه وخطوطه وخفاياه ! .. هيا احمل اثقالك وامض ..
-درويش : امضي بدون سلاح .. أين سلاحي ؟
-صبيحة : سلاحك هو الرؤية .. سلاحك أن تعرف وتدرك وتبصر .
في المشهد الثالث تتحول خشبة المسرح الى محكمة يعتليها القاضي والمحقق ، وفي محاولة أخيرة لإثبات درويش براءته يخير القاضي -الذي طالبه بقول الحقيقة- بين أن يصدق الملف الذي لفقت فيه الإدانة ، أو أن يصدق الحقيقة التي سينطقها .
لكن القاضي يمتثل أخيرا لسلطة المحقق ويختار تصديق الملف الماثل بين يديه خوفا من تعرضه لأذية المحققين . وهكذا يدان درويش بالجريمة وينذر دراويش العالم بنفس المصير ! .