تتحدث ياسمين مجاهد في كتابها (استرجع قلبك، دليل لرحلة القلب في الحياة) عن القلب، كيف تستعيده من غفلة الدنيا وتبقيه حرا من غير هوى أو تعلق من خلال تأملات شخصية تصل من خلالها إلى فهم حقيقة الدنيا وموقعها في حياة المؤمن، وتعطي للراغبين في صحبتها دليلا إذا اتبعوه أوصلهم إلى الغاية التي يرجوها كل مسلم.
* العقبة الأولى: المعلقات :
أول عقبة للقلب في رحلته نحو التحرر تقف أمامها ياسمين هي كل ما يتعلق به الإنسان ويملأ به قلبه وتذكر أمثلة لتلك المتعلقات وفعلها في القلب:– فراق الأحبة وما يعانيه القلب بسببه من ألم يفسد عليه حياته، فتوضح أن القلب الذي يتألم وينكسر ويحزن لفراق الأحبة وتبكيه الذكريات واللحظات إنما هو قلب متعلق بالدنيا إذ ينشد راحته ويطلب سعادة وإشباعا لا يتحقق بالكامل إنما على هذه الأرض المؤقتة بأجل مسمى، لذلك فعلاجه أن يتذكر أنه على هذه الأرض في رحلة مؤقتة سرعان ما يأتي أجلها ويفارق.
– ألم الفراق وفقدان ما ومن نحب يتبعه عطاء ما في شيء آخر كنا أكثر احتياجا له، قد لا ننتبه له لكن أثره يظهر عبر الأيام ونعلم حينها أن ما قد خسرناه قد عاد إلينا في صورة أو بأخرى إصلاحا وتربية، تماما مثل الطفل الذي يتعلق بإحدى ألعابه تعلقا يفسد عليه حياته ويعوقه عن اكتساب المهارات، هنا حب الوالدين له يدفعهما إلى التخلص من تلك اللعبة لكي يصبح أقوى وأقل تعلقا.
– ذلك الخواء الذي يجده كل منا عندما يغفل عن ربه، عن الآيات التي أرسلها لتهدى إليه وتقود الخطى مسرعة لنحتمي به، تعود هنا إلى بدايتنا الأولى يوم كنا هناك في الأعلى بجوار الخالق العظيم ثم انفصلنا لتكون رحلتنا بعد ذلك سعيا إليه، فالقلب متعلق به أبدا يريد الموطن الأصلي، ويظن بعض الناس أن بإمكانهم ملأ ذلك الفراغ داخل القلب بأي شيء غيره، لكننا لو نفهم من أين جئنا وكيف أننا ننتمي إليه لهرعنا إلى جواره وفررنا من كل شيء إليه.
– فإذا تخطينا عقبة الفهم كان علينا أن نفرغ القلب من شوائبه، من كل ما يشغله ويعوق تعرفه على ربه، تلك الأشياء التي نظنها أكثر أهمية تكبر أحيانا في الداخل حتى تكون إلها له الحكم والأمر لذلك تأتى العبادات لكي تفرغ القلب من كل تلك المتعلقات، وتلك المجاهدة لتصفية القلب وتخليه من شوائبه هي جوهر العبادة وأصل التوحيد، حيث لا يبقى في قلبك كبيرا ولا معظما سوى الله تطيع أوامره وحده وترجوه وحده وتخشاه وحده.
– وخلال تلك المرحلة سنحتاج إلى وضع ممتلكاتنا في هذه الحياة في مكانها الصحيح، فتلك الأشياء التي نسعى لها في الدنيا من عمل ومال وحب وزواج وذرية وغير ذلك من أمور نسعد بها هي هدايا ربنا ونعمه، والهدايا مكانها اليد لا القلب، فإذا دخلت القلب صارت جزءا منه نشعر بتوقفه عن النبض إذا فقدناها، وإذا ظلت مكانها باليد، يظل القلب الذي حفظناه سليما معافى ينبض بحبه لخالقه، وتبقى تلك الهدايا وسيلة لمعرفته والقرب منه لأن ما يبقى في القلب هو الله هو من يقودنا ويدلنا على الطريق.