كان راني وحيداً أسيراً لذكرياتهِ القديمة حيث بقيت روحه حبيسةً منذُ ذاكَ اليومِ المشؤوم وقلبهُ لم يغادر منزلَ والدتهِ وحبيبتهِ اللتانِ كانتا أغلى ما يملك ، كان آخر لقاء له بيارا الذكرى التي لم تبارحه خصوصاً قبل نومه( ابق حياً مهما كلف الأمر) تلك كلماتها التي تعطيه القوة للنهوض كلما باغته الانكسار وحاصره اليأس، يتسائل في نفسه عن كمية الحزن الممزوج بالخيبة التي اجتاحتها عند تلقيها خبر استشهاده،كم من الدموع قد ذرفت بسببه و هو الذي كان يخشى عليها من البكاء ، أكثر ما يؤلمه هو اللهفة التي كان يراها تزداد في عينيها كلما اقترب يوم زفافهما( ترى ماذا صنعت مضادات كل تلك المشاعر بها؟ ) لم يكترث للأسى الذي شعر به بقدر خوفه من ما سيكون قد صنعه الحزن في والدته وحبيبته .
*****
حانَ وقتُ الامتحانات النصفية في المدارس وحزمت سمية بعض أمتعتها وكُتبها مودعة بعينيها صورة زوجها مهند و صعدت في مركبة عامة أوصتلها إلى الطريقِ العامِ لقريةِ ميرال التي كانت تنتظرُها هناك لتأخُذها إلى منزلها .
عند وصولهما قامت بتعريفِها على والدتها التي رحبت بها كثيراً واستقبلتها بوجهٍ بشوشٍ ، وجلستا على المائدة التي جهزتها أم جورج بينما خرجت هي لتنده ليارا التي كانت تسقي الأزهار في الجهة الخلفية من حديقة المنزل.
استوقف الوالدة صوت ابنتها العذب وهي تغني:
هالأسمر اللون هالأسمراني
تعبان يا قلب خيو و هواك رماني
يابو عيون وساع حطيت بقلبي وجاع
يا بو عيون وساع حطيت بقلبي وجاع
تمزق قلب الأم عندما جلست ابنتها على الأرض و أخذت دموعها تنهمر عندما كررت ثالث سطر من الأغنية ، كانت أعلم بقلب ابنتها التي مهما تظاهرت بالقوة ليست من داخلها سوى قلب طفلة هش ، حتى أنها كانت تخفي حزنها على ابنها الوحيد جورج لتذوب روحها من البكاء في خلوتها كل يوم كي لا تزيد من حزن ابنتيها خصوصاً يارا .
مسحت دموعها عندما رأت والدتها تقترب منها ونهضت من الأرض .
الوالدة :هيًا يا ابنتي لتناول الإفطار
قبلت رأس والدتها : لست جائعة يا أمي ، لدي عمل بعد قليل .
الوالدة: جاءت صديقة شقيقتك، ألقي التحية وتناولي بعض الطعام لأجلي.
يارا : إذا كان هذا لأجلك لا يمكنني أن أرفض.
نظرت سمية إليها متفاجئة عندما دخلت مع والدتها وهي ترتدي زيًها العسكري ثُمَّ أخذت تكلمُ ميرال وتبتسم لتخفي الحقدَ الذي في قلبها.
ألقت يارا تحيةً جافة على سمية التي ردت عليها وهي تبتسمُ ابتسامةً كاذبة ثُمَّ جلست تتناولُ الطعام معهن.
*****
دخلت سمية مع ميرال إلى غُرفتها وأخذت ميرال ترتب ثيابَ سمية التي أحضرتهم معها في قسمٍ من خزانتها ، ثُم أخبرتها أنهما ستنامان على السريرِ الذي في الغُرفة معاً لأنه يتسع لهما.
كانتا تذهبانِ سوياً إلى الامتحانات وكانت سمية تراسلُ يومياً في المساء شاباً اسمهُ علي من محافظةِ حماة يخدمُ خدمتهُ العسكرية الإلزامية في مدينةِ حمص عن طريق تطبيق الواتس أب وكانت تُخبرُ ميرال بأنهُ حبيبُها وأنهما سيرتبطانِ رسمياً عما قريب .
*****
لم تكن يارا تشعرُ بالطمأنينة من ناحيةِ ضيفتهم لكنها كانت تحاولُ أن تُعاملها جيداً من أجلِ شقيقتها الصغيرة.
في أحدِ الأيام مساءً قبل آخرِ يومٍ من الامتحانات المدرسية ، كانت سُمية جالسةً في الغُرفةِ وحدها تكلمُ القائد ، بينما كانت ميرال تساعدُ والدتها في إعدادِ وجبةِ العشاء ، وكانت يارا متجهة نحو غُرفتها حين سمعت صوتَها تُكلمُ أحدهم على الهاتف فوقفت خلفَ البابِ لتسمعها تقول<<غداً سأُنهي كُلُ شيء ... راسلني عبرَ الواتس أب بما أن شبكةَ الاتصال جيدة أخشى أن يسمعني أحد>>.
ارتابَت يارا مما سمعتهُ وملأَ الشكُ قلبها من تلك الفتاة لكنها تصرفت كأنها لم تسمع شيء فدخلت إلى غُرفتها وبدلت ثيابها وهي تفكرُ ما الذي يتوجبُ عليها فعلهُ لتعلمَ ما الأمر.
أنت تقرأ
ابق حياً مهما كلف الأمر
Romanceكانت ليلة مدججةً بالدماء كنتُ على وشك أن أقتل نفسي لكن خشيتُ أن أُعذب بشكلٍ يجعلنني أطلبُ الموت ولا أجده لكنني تذكرت (ابقَ حياً مهما كلف الأمر)كلماتكِ لم تغادرني. ارتديتُ ثوباً لم يكن لي يوماً تخليتُ عن كل شيء على أمل أن أعود . تُرى هل سأموت دون أن...