مشاعر مكبوتة

4 2 0
                                    

أنهى جورج نوبة حراسته الليلة و دخل إلى غرفته حيث كان يقيم مع جنديين اثنين أحدهم من محافظة دير الزور و الآخر من محافظة حلب ، كانا نائمين و قد تركا له حصته من طعام العشاء الذي أعداه ، شعور غريب من الضيق كان يقبض على قلبه لم يكن يرغب بتناول شيء ، استلقى على سريره ، امسك هاتفه و اتصل بيارا رن الهاتف كثيراً قبل أن يرد عليه رجل غليظ الصوت .
جورج : كيف حالك حبيبتي.
الرجل بسخرية : حبيبتك ماتت أو سبيت لا أعلم.
ارتعش قلب جورج خوفاً ، لم يكن صوت هذا الرجل يشبه صوت علي لكنه لم يصدق ما قاله فسأله متعجباً : علي!!!... هل تمازحني؟.
ضحك الرجل ضحكة طويلة : علي.. أظنه أصبح قطعاً أو تقسم إلى أشلاء.
أغلق جورج الهاتف و فتح على موقع يبث أخباراً تخص مدينة حماة ، ليجد بفعل أن قرية علي قد سيطر عليها المسلحين و ارتكبوا بها المجازر بسبب مقاومة أهلها لهم طوال الأعوام الماضية، أخذ يقلب بين صور القتلى و يده ترتجف خوفاً من أن يرَ صورة لشقيقته أو لزوجها بيتهم ليشاهد صورة علي و قد مُثلَ في جثته ، لكنه لم يجد صورة ليارا، آخذت الدموع تتساقط من عينيه وهو يتمتم( يا إلهي... احميها يا عذراء... احميها يا أم النور.. كان الرب في عونك يا أختي... آمل أن تكوني بخير).
أخذ يبكي مثل طفل صغير فأحس عليه أحد زملائه ، خاطبه بتعجب : جورج ما بك؟.... أنت تبكي!!!!!.
جورج : لقد سيطروا على القرية التي كانت فيها شقيقتي قتلوا زوجها و لا أدري ماذا فعلوا بها.
نهض من سريره وجلس بجواره و أخذ يواسيه : ستكون بخير انشالله ...كن قوياً فأنت رجل... أدعِ الله بأن يحميها لا يفيد سوى الدعاء.
*****
طرق راني باب أحدِ المنازل  مرات متتالية حتى ييقظَ ساكنيه، نادت امرأة من خلف الباب بصوت يغلبه النعاس: من الطارق؟.
راني : خالتي أم أيمن أنا أحمد زوج رهام ، أريدكِ في حالة إسعافية.
المرأة : انتظر يا بني سأرتدي ثيابي و آتي معك حالاً.
انتظر راني أمام المنزل ريثما جهزت نفسها و أحضرت الأدوات الطبية ثمَّ ذهبت مسرعة معه إلى منزله.
*****
دخلت أم أيمن برفقة راني إلى الغرفة حيث توجد يارا و تبعتها أمل و هي تحمل طفلتها ،     أم أيمن: يا إلهي أنها في وضع مؤسف... أخرجا من فضلكما أريد أن أجري لها بعض الفحوصات.
خرجا حيث بقي راني أمام الغرفة واقفاً أما أمل جلست على كرسي بجواره ، تمعنت أمل في ملامح وجهه الشاحبة و يديهِ اللتان كان يفركهما ببعضهما من القلق وقالت : كأنك مهتم كثيراً لهذه الفتاة!!!!! هل تعرفها؟.
رد راني مرتبكاً : لا فقط متعاطف معها رأيت حالها المحزن عندما قُتل زوجها أمام عينيها فشعرت بالذنب.
رهام : صحيح بأنك قاسٍ جداً لكني أعشق تلك الحنية التي في عينيك ، على الرغم من أنها تثير غيرتي الآن.
راني : ما كان عليكِ السماح لنجوى بالدخول .
رهام : لقد رأتها من النافذة ودخلت كيف لي أن أمنعها.
راني : آمل بأن لا تكرري موقفاً كهذا.
خرجت أم أيمن ، بقي راني صامتاً و لم يسألها عن حال يارا كي لا يثير الشك أكثر من ذلك ، خاطبتها أمل : ما بها ؟.
أم أيمن : أصيب بنزيف فقدت بسببه الجنين .
قاطعها راني : كانت حاملاً!!! .
أم أيمن : نعم ، و الآن ضمدت لها إصابة ساقها ، ووخزتها يإبرة مسكنة للألم... تركت لها مرهماً على الطاولة بقربها لتدلك به الكدمات التي في وجهها وجسدها .. يجب عليها أن تأكل جيداً لتعوض الدم الذي فقدته.
غادرت أم أيمن و دخل راني مع رهام للخلود إلى النوم بعد هذا اليوم الشاق ، كان يتمنى أن يبقى بجوار حبيبته يعتني بها و يخفف عنها  ، استلقى متظاهراً بالنوم وأخذ ينتظر حتى تغفو رهام  التي أخذت تحاول تنييم طفلتها ليذهب إليها ، أخذت الأفكار تأكل عقله (كيف ستستعيد يارا وعيها وحيدة في تلك الغرفة من دون أن تجدني بجوارها؟ هل تُراها صدَقت حقاً بأني تركتها لأتزوج من رهام؟ هل كانت تعني ما قالته حين نعتتني بالقذر!!! هل يعقل أنها أصبحت تنظر لي كما تنظر للرجال الذين قتلوا زوجها؟ ، ..... يا إلهي ما أصعب ما مرَّ عليها ليس عليَّ أن أعاتبها على شيء ، كم هو مؤسف أنني تركتها في ذاك اليوم بتلك الطريقة و أنا الذي أفضل ترك روحي على أن أتركها .... صحيح أني كنت أحلم بها دوماً ، أتمنى أن ألقاها لكن ليس كما قابلتها ، كنت مع الرجال الذين قتلوا زوجها أصبحت بنظرها مجرم، تُرى هل أحبته حقاً أم أنه كان بديلاً لتنساني؟....  يبدو أنه كان يحبها  ،على أي حال هو شخص قتل أمام عينيها لأنه أراد إنقاذها، .... آه رأسي يكاد ينفجر، كم يؤلمني أن أكون سبباً في تعاستها .... لم أطمح يوماً إلا لإسعادها لكن لا أدري لماذا حكمني القدر لأكون ألماً لها ...) بقيت الأفكار تتصارع في عقله حتى غدرته عيناه و نام بالفعل.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن