الهروب

4 2 0
                                    

جهزت أم علي مائدة كبيرة من الطعام للغذاء أما والده كان منفصلاً عنها يقيم عند زوجته الثانية في محافظة دمشق ، كان قلبها يتوق شوقاً لرؤية ابنها أما زوجته لم تكن مرغوبة من قبلها فهي كانت رافضة لزواجه منها منذ البداية ، رحبت بعلي معانقةً إياه عناقاً حميماً و صافحت زوجته بأطراف أصابعها صفاحاً أشعر يارا بأنه غير مرحبٍ بقدومها على عكس ما كانت تتصور ، طبعت يارا قبلتين رقيقتين على شقيق زوجها الذي يعج وجهه بالبراءة بينما كان علي يحمله و يؤرجحه بين يديه.
*****
ارتاح علي و يارا من عناءِ السفر ، ثم أخذها ليعرفها على قريته و لزيارة منازل أصدقاءه و الأقارب بينما ترافقانهما والدته و شقيقه.
عندَ عودتهِ إلى المنزلِ استأذن من يارا طالباً أن يحدث والدته في غرفتهما لوحدهما بدأ الحديث بأسلوب علي الغاضب المعاتب : أمي لماذا تتصرفين هكذا؟؟؟.
الأم : ماذا فعلت يا بني؟.
علي : رحبت بيارا بأسلوب غير لائق  ، كم مرة عملتِ على التقليل من قيمتها أمام الأقارب و الأصدقاء؟.
الأم : تفضل رضا زوجتكَ على والدتك؟.
علي : لم أفضل أحداً على أحد رأيت كل شيء بعيني هي لم تُسئ لكِ أبداً عاملتكِ كوالدتها.
الأم : تعلم أني لم أردها لك زوجة منذ البداية ، تشاجرت مع خالتك بسببها لأني كنت قد وعدتها بأن أزوجك ابنتها.
علي : وعد أنت من قطعته بلا علمي، و إن بقيتِ تعاملينها هكذا سوف آخذها و أعود لمنزلي.
الأم : حسناً سأحاول أن أتقبلها .
خرج من غرفتها و ذهب إلى غرفتها حيث كانت تجلس يارا على سريره حزينة ، جلس بجوارها ووضع يده خلف عنقها وقربها إليه قائلاً : حبيبتي لا تحزني ، إن قلب والدتي طيب جداً لكنها لم تعتد عليكِ بعد.
يارا : لست حزينة لكنني متعبة قليلاً ،أرغب بأخذ قسط من الراحة.

*****
في كلَ ليلة كانَت يارا تسمعُ أصواتَ إطلاقِ نارٍ واشتباكاتٍ ،كانَ يُخبرها علي بأن لا تقلق و أن تعتادَ على الأمر فالقرية التي خلفهم يسيطرُ عليها المسلحين وهم يحاولون دخولَ قريتهم دوماً لكنَ محاولاتهم تبوءُ بالفشل.
قبلَ رحيلهم بيومٍ مساءً ، خرجَ علي لزيارةِ أصدقاءهِ في القريةِ التالية لقريتهم لتوديعهم ، عانقَ يارا وقبلها على جبينها بينما تراقبهما والدته من الصالة حيث كان باب غرفته مفتوحاً قائلاً :
لن أتأخر ، لو لم تكوني متوهنة لأخذتك معي.
غادر برفقةِ أحد أصدقاءهِ ، بينما جلست يارا على السرير تتحدثُ مع ميرال وصديقاتها في الجامعة عبرَ تطبيقِ الواتس أب.
كانَ مساءً مشؤوماً علَت فيهِ أصواتِ الرصاصِ والمدفعيات ، خرجت من غرفتها وجلست في الصالة مع أمِ علي وشقيقهُ سلمان تتناول العشاء.
أخذَ المسلحونَ يضربونَ القذائفَ على القرية ، كان هجومهم عنيفاً بقدر ما كانوا يحملون من الغل على أهلها بسبب تصديهم مراراً و تكراراً لهم ، لتسقطَ أحدُهم بجوارِ منزلِ علي وتخترقَ شظاياها نافذةَ الصالة لتصيبَ قدمَ يارا أسفلَ مفصلِ الرُكبة .
غمرَ الخوفُ قلبَ أمِ علي وأحضرت قطعةَ قماشٍ وأخذت تلفُ فيها قدمَ يارا التي كانت تتألمُ   ( يا إلهي إنها تؤلمني... لعنهم الله) .
أم علي : سنذهب إلى الطبيب عندما يستقر الوضع قليلاً.
بينما جهش سلمان بالبكاء عندما رأى قدمَها تنزفُ بشدة.
حاولت الوقوف على ساقها لكنها لم تستطع حين علت أصواتُ أهلِ القريةِ خائفينَ وأخذَ بعضُ الشبابِ يقرعونَ أبوابَ منازلها صارخينَ : اخرجوا لقد اقتحمَ المُسلحون القرية سيقتلوننا لأننا من طائفةٍ أخرى .
كانَ الهرعُ يدبُ في قلوبِ الناسِ هُناك و كأنه يوم القيامة ، أخذوا يركضونَ نحوَ القريةِ التالية لقريتهم والتي كانت لا تزالُ آمنة ، كانَ همُ كُلٍ شخصٍ هُناكَ أن ينجو بنفسهِ وعائلتهِ.
حاولت أم علي أن تُساعدَ يارا على النهوضِ لتهربَ معهما هيَ وابنها الصغير ، لكنَ يارا لم تستطع أن تمشي ، فتركتها أُمُ علي في المنزلِ وحملت طفلها سلمان الذي بُحَ صوتهُ من شدةِ البكاء وأخذت تركضُ بالاتجاهِ الذي كانَ يركضُ فيهِ أهلُ القرية الخارجينَ من منها باتجاهِ القريةِ التي تليهم.
بينما ارتجفت يارا من الخوفِ فلم تصدق أن أم علي قد تركتها وغادرت دون أن تطلب حتى من أحدهم أن يساعدها وأخذت تصرخُ قائلةً: ساعدوني ...ساعدوني.
لكن دونَ أن يستجيبَ لها أحد ، كانت أصوتُ الرصاصِ تقترب أكثرَ فأكثر ،أخذت  تدعو الربَ أن تموتَ موتاً رحيماً بدونِ تعذيبٍ لأنها آمنت أن مصيرها سيكونُ الموت.
*****
كان علي جالس يلعب الشدة مع أصدقائه عندما سمعوا أغنية الحرب التي كانت تعزفها على لحن من دماء و أوتار من فراق حيث شعروا بأن الأصوات أصبحت تقترب منهم ، دب الخوف في قلب علي و أخذ يتصل بيارا دون إجابة وما إن دخلت والدة صديقه إليهم لتخبرهم مذعورة بأن  قريتهم قد تم اقتحامها ، خرج  من المنزل مثل المجنون ، أخذَ مركبةَ صديقهِ مُتجهاً نحوَ قريتهِ ليطمئنَ على أهلهِ إن استطاعوا الخروجَ ويخرجهم إن لم يخرجوا بعد

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن