حلَ المساء ... هيأت يارا نفسها للذهابِ إلى المشفى ورفضت من أمل القدومَ معها كي لا تنهكَ نفسها وهيَ حاملٌ وكي تعتنيَ هي وميرال ببعضهما.
خرجت من المنزل ووقفت على الشارعِ الرئيسي تنتظرُ وسيلةَ نقلٍ تأخذها إلى المشفى التي كانت تقعُ في القريةِ التاليةِ لقريتهم، توقفت إحدى السيارات التي كانَ يقودها شابٌ فابتسمَ لها قائلاً : إلى أينَ ستذهبُ الجميلة ؟.
نظرت لهُ يارا ثُمَ ابتسمت قائلة : لياس!! سأذهبُ لزيارةِ أخي في المشفى.
الشاب : هيا اصعدي ، سأوصلكِ بطريقي فأنا ذاهبٌ لزيارةِ صديقي.
صعدت يارا وجلست بجوارِ لياس وأخذت تحدثهُ قائلة :متى عُدتَ من دمشق؟
لياس : البارحة،.. كيفَ أصبحَ شقيقكِ؟
ردت يارا حزينة : إنهُ لم يستعد وعيهُ حتى الآن.
لياس : لا تقلقي سيصبحُ بخير بإذن الرب.
سندت يارا رأسها على النافذة فلقد كانت مُتعبة و مُتوعكة فهيَ لم تنم منذُ الأمس وتعرضت لكثيرٍ من الأحداثِ الصعبة .
*****
نزلت من السيارة وبيدها كيس فيه طعام أحضرته لوالدتها و أثنت على لياس لإيصاله لها، دخلت إلى المشفى ولما وصلت إلى غُرفةِ جورج وجدت والدتها نائمةً وهي جالسة على الكُرسيِ من شدةِ التعب ، فاقتربت من شقيقها وقبلتهُ بلطفٍ من جبينهِ ، ثُمَ أيقظت والدتها بهدوء فنظرت الوالدة إليها وقالت بصوتٍ خافت : أهلاً يا حبيبتي .. لماذا تركتي ميرال وحدها؟
ردت يارا أيضاً بصوتٍ خافت : إنها ليست وحدها سأخبرُكِ كُلَ شيءٍ بعد قليل، أخرجي الآن وتناولي الطعام فقد وضعتهُ لكِ في أحدِ المقاعدِ بجانبِ الغُرفة.
الوالدة : لا أريدُ يا ابنتي لا أرغب بالطعام .. أريدُ أن أطمأنَ على شقيقكِ أولاً.
يارا : افعلي كما طلبتُ منكِ وإلا سأحزنُ حزناً شديداً.
خرجت الوالدة وجلست على المقعد وأخذت تتناولُ الطعام .
*****
جلست يارا على الكُرسي الذي بجوارِ سريرِ شقيقها ووضعت يدها فوقَ يدهِ وأخذت تُخاطبهُ قائلة:
أخي يا توأمي أحبكَ كثيراً ليتني فارقتَ حياتي قبلَ أن أُطلقَ النارَ عليك ...أرجوكَ يا أخي أن تستيقظ اشتقتُ لكَ كثيراً ..هل تذكر كم كنا نتشاجر؟ انهض لنتشاجر من جديد... أتذكرُ عندما كُنا أطفال كيفَ كنتَ تغارُ مني و تأخذُ ألعابَ العرائس التي كانت تشتريها لي والدتي وتمزقها ؟ انهض ومزقني إذا أردت لكن كن بخير فقلبي لا يتحملُ فقدانكَ مرةً أخرى..
لقد جاءت أمل وأخبرتني أنكَ ستصبحُ أباً آمل أنه سيكون بوسامتك ورجولتك ....انهض أرجوك سعادتنا بين يديك.
دخلت الطبيبة وطلبت من يارا الخُروج لتطمئنَ عن حالهِ ، فمسحت الدموعَ من على خديها وخرجت لتجلس بجوار والدتها في الخارج ، وبدأت الطبيبة بالفحص.
*****
خرجت الطبيبة بعد فحصهِ أخبرتهُم أن وضعهُ مُستقر وعليهم فقط انتظارهُ حتى يستعيدَ وعيهُ.
سُعدت الأمُ وابنتها بهذا الخبر وأخذت يارا تُخبرها عن ما حدثَ في غيابها و والدتها تشكرُ الربَ وتباركُ لها كونَ راني سالماً، ثُمَّ دخلتِ وجلست بجوارِ ابنها مُنتظرةً استيقاظهُ أما يارا بقيت جالسةً على المقعدِ في الخارج لأنهُ لا يسمحُ إلا لشخصٍ واحد أن يبقى عند المريض أمسكت هاتفها لتجد رسالتين من راني أخذت تقرأهما واحدة تلو الأخرى مبتسمة و قد كتب <<منذ ذهبتِ و أنا لا أرى شيئاً سوى عينيكِ، لقد تركتِ لي في هذا المكان ذكرى تجعلني أتقبلهُ و لو قليلاً>>.
<< جميلتي لما قابلتها أعطيت روحي لها كنت أحيا قبلها لكنني الآن لا أحيا إلا بها >>.
ثُمَ حاولت الاتصال به لكن دون جدوى .
*****
حلَّ الصباح مُشرقاً لطيفاً ، كان علي واقفاً على أحدِ الحواجزِ في أحدِ طُرقات مدينةِ حمص حيثُ كانَ عملهُ أن يرى البطاقات الشخصية ويفتشُ السيارات ،فقدُم إليهِ خالد الذي كان مُرتدياً زيهُ العسكري و يكادُ ينامُ وهوَ واقفٌ ، استلمَ خالد مكانَ علي الذي انتهت مناوبتهُ واتجهَ نحوَ غُرفتهِ فندهَ لهُ خالد قائلاً : علي هل ستنام؟
علي : لا سأذهبُ للمشفى لعلي أرى يارا هُناك .
خالد : كأنكَ مُهتمٌ جداً بشأنها؟
علي : وأنتَ ألستَ مُهتماً بشأنِ ميرال .
خالد : في الحقيقةِ نعم و لو لم يكن لديَ مناوبةٌ لذهبتُ معك.
ثُمَّ دخلَ إلى غُرفتهِ وبدلَ ملابسهُ العسكرية بلباسٍ مدني ، ووقفَ على الحاجز بجوارِ خالد وصعدَ في إحدى السيارات المتجهة نحو القرية التي توجدُ فيها المشفى .
*****
حين وصلَ علي إلى أمامِ غُرفةِ جورج وجد يارا نائمةً على المقعد يستند رأسها على الجدارِ الذي خلفها ، فجلسَ على المقعدِ المجاورِ لها وأخذَ يتأملُ في تفاصيلِ وجهها البريء الذي لا تبدو عليهِ القسوة التي أظهرتها لهُ عندما رآها أولَ مرة.
فتحت يارا عينيها ببطء ثُمَ نظرت إلى علي قائلة : علي!!!!.
ردَ علي مُبتسماً : جئتُ لأطمئنَ على شقيقكِ ، هل تسمحينَ لي أن أُخبركِ شيءٌ دونَ أن تصفعينني مرةً أخرى .
ضحكت يارا وردت قائلة : أخبرني ولن اصفعكَ.
علي : أنتٍ جميلةٌ جداً خصوصاً وأنتِ نائمة.
احمرت وجنتا يارا خجلاً ولم تعرف ماذا تُجيب ،في حين فتحت الوالدةُ باب الغُرفة وهيَ تصرخُ من شدةِ الفرح قائلةً : جورج استيقظَ يا يارا.
دخلت يارا مُسرعة وتبعها علي ، فأخذت تنظُرُ إلي شقيقها الذي كانَ ينظرُ إليها وإلى والدتهِ مُبتسماً و قد نسيَ ألمَ جُرحهِ لسعادتهِ برؤيتهما من جديد ، كانت والدتهُ تمررُ يدها على شعرهِ بلطف وهيَ تبكي قائلة : الحمدُ للربِ على سلامتك يا بني.
أما يارا فاقتربت منهُ وجلست على الكُرسيِ بجوارهِ وأمسكت يدهُ وأخذت تُقبلُها قائلة : سامحني يا أخي أرجوك.
بينما دخلت الممرضة والطبيب وطلبا من الجميعِ الخروج لإجراءِ بعضِ الفحوصات فخرجت الأُم و أمسكَ علي ذراعَ يارا و ساعدها على الوقوف ثُمَّ أخرجها برفق لأنها لم تكن تقوى على مفارقةِ شقيقها التوأم.
اتصلت يارا من شدةِ فرحها بميرال وأخبرتها باستعادةِ جورج لوعيهِ ثُم أرسلت رسالةً إلى راني أخبرتهُ بها بذلك.
أنت تقرأ
ابق حياً مهما كلف الأمر
Romanceكانت ليلة مدججةً بالدماء كنتُ على وشك أن أقتل نفسي لكن خشيتُ أن أُعذب بشكلٍ يجعلنني أطلبُ الموت ولا أجده لكنني تذكرت (ابقَ حياً مهما كلف الأمر)كلماتكِ لم تغادرني. ارتديتُ ثوباً لم يكن لي يوماً تخليتُ عن كل شيء على أمل أن أعود . تُرى هل سأموت دون أن...