العودة

9 2 0
                                    

وفي صباحِ اليومِ التالي باكراً نزلَ راني من أحدِ الحافلاتِ المارةِ بقريتهِ و قد استعادَ شكلهُ القديم بعد أن حلقَ لحيتهُ الطويلة واشترى ملابسَ كالتي كان يرتديها سابقاً مُتخلصاً من الملابسِ السوداءِ التي كانت تجعلُ حياتهُ كلونها ، أخذَ يمشي نحوَ منزلهِ مُتلهفاً لرؤيةِ يارا ووالدتهِ وهو يستنشقُ نسيمَ قريتهِ العليل الذي كانَ يبعثُ في نفسهِ الحياة ويتأملُ منازلها التي كان تقاربها وبساطتها يشعرهُ بالحبِ والطمأنينةِ .
وصلَ إلى أمامِ منزلهِ ومنزلِ يارا وأخذَ يطرقُ بابَ منزلهِ وهوَ ينظرُ إلى نافذةِ غُرفةِ يارا ودقاتُ قلبهِ تتسارعُ من الفرحِ والأملِ ، فتحت والدتهُ باب المنزلَ فنظرت إليهِ ووقفت أمامهُ دونَ أن تقوى على الحركةِ من دهشتها ، اقتربَ منها وعانقها فعانقتهُ و أخذت تبكي فرحةً وتشكرُ الربَ الذي أعادَ لها ابنها بعدَ طولِ الغياب ،كانَ عناقاً طويلاً كانت فيهِ الأمُ تنظرُ إلى عيني ابنها كُلَ قليلٍ لتصدقَ أنَّ هذا كانَ حقيقي وأنَ ابنها من كانَ بينَ ذراعيها.
ثُمَّ أدخلته إلى الداخلِ وكانت تعاملهُ كطفلٍ صغيرٍ من شدةِ فرحها بهِ ،
الأم: ابني حبيبي سأعدُ لك الإفطار.
راني : لا يا أمي أريد أن أذهب إلى منزل خالتي أم جورج أولاً.
الأم : يا روح والدتك إن الوقت مبكر أظنهم لازالوا نائمين... اجلس و استرح سنذهب لاحقاً
راني : كيف حالُ يارا؟.
ارتبكت وأجابت قائلة : إنها بخير.
لم تكن تعرفُ أنهُ يعلمُ بأنها قد تزوجت  وخشيت أن تخبرهُ بذلك فتحزنهُ أما هو  فقد كانَ يظنُ بأنها قد أخبرتهم بكلِ شيءٍ وبأنها كانت أسيرتهُ.
*****
استيقظت أمُ جورج و اتجهت نحوَ غُرفةِ يارا أخذت تطرقُ الباب ( افتحي يا ابنتي أتوسلُ إليكِ ... افتحي أرجوكِ )  لكن دونَ أن تجيبها  أو تفتحَ لها ثُمَّ قررت الذهابَ إلى منزلِ أمِ راني لتطلبَ منها أن تأتي معها إلى منزلها وتحدثها لتفتحَ الباب ، فلقد كانَ لها معزتُها الخاصة في قلبها لأن راني قد أوصاها بها.
*****
دخلَ راني إلى غُرفتهِ وأخذَ يتأملها فلقد كانت على حالها وكأنهُ قد غادرها بالأمس استلقى على سريرهِ ليجدَ الصندوقَ الصغيرِ بجوارهِ ففتحهُ ليرى جديلةَ يارا فأخذَ يعانقها و يقبلها ، ثُمَّ وضعها  على صدرهِ وأمسكَ خاتمَ الخطوبة وأخذَ يتأملهُ ويتذكرُ كم كانا سعيدينِ في حفلِ خطوبتهما وقالَ في نفسهِ وهو ينظرُ إلى الخاتم : <<أعدكِ أن أعوضكِ عن جميعِ لحظاتِ الحزنِ والفراق وأن أجعلكِ سعيدةً أكثرَ من قبل ، سوفَ أقيمُ لكِ حفلَ زفافٍ أُنسيكِ فيهِ كُلَّ الألم>>
أمسك الورقة التي كانت بالصندوق و التي كتبت له يارا فيها ( سلام على من ذهبوا و لم يتركوا لنا من نفسنا سوى الحطام ، سلام عليهم كيف غادروا كيف هجروا كل شيء إلا قلوبنا و قل في و صف حبهم الكلام ، سلام على أيامنا أحلامنا و حطامنا من قلبي كل السلام إلينا كيف كنا و كيف أمسينا.... لقد قتلتني يا راني ).
حفرت هذه الكلمات الحزن في قلبه للجرح العميق الذي أحدثه بقلبها  حين تركها لكنه لم يرد أن يحزن ، كان متفائلاً ليبدأ كل شيء من جديد ،وقفَ ينظرُ من النافذة إلى نافذةِ غُرفةِ يارا وعيناه تترقبُ رؤيةَ خيالها .
*****
طرقت أمُ جورج الباب فاتجهت أمُ راني التي كانت في المطبخِ تعدُ الإفطارَ نحوهُ وقامت بفتحهِ، كانت  حزينةً قلقةً على حالِ يارا ابتسمت لها أُمُ راني وقالت والفرحُ يلمعُ في عينيها : لقد عادَ راني.
ردت أم جورج : ماذا!!!!!.
أم راني : لقد عادَ راني وهو الآن في غُرفتهِ، أدخلي... الحمد للرب.
دخلت أمُ جورج مُسرعة ، وفتحت بابَ غُرفةِ راني دون أن تطرقهُ من فرحتها بعودته فالتفتَ إليها و كان ما زال واقفاً ينظرُ إلى نافذةِ غُرفةِ حبيبةِ طفولتهِ، اقترب منها وأخذت تعانقهُ وتقبلهُ مهنئةً إياهُ بالعودة (الحمد لله على عودتك يا حبيبي ... القرية بأكملها قد اشتاقت لك يا أجمل شبانها).
جلسا يتحدثانِ بينما كانت أمُ راني تعدُ الإفطار وأخذَ يسألها عن يارا قائلاً: كيفَ حالُ يارا هل تحسنت حالها بعد عودتها من الأسر؟.
ردت أم جورج مُستغربة : مسكينة ابنتي ....هل أخبرتك والدتك بما حلَّ بها؟.
راني : ألم تخبركم هي بشيء؟.
أم جورج : لا ، إنَّ وضعها الصحي لم يسمحُ لنا بأن نُحدثها في هذا الأمر ، ماذا حدث؟
راني : أريدُ أن أطمئنَ عليها أولاً ثُمَّ سنتحدثُ بهذا الأمر لاحقاً.
أخبرت أم جورج راني بما حدثَ في الأمس وبأنها قلقةٌ جداً عليها .

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن