سوف يتزوج

5 2 0
                                    

صعدَ راني في الحافلة الكبيرة المليئة بالمسلحين المتجة إلى إحدى القُرى في ريفِ محافظةِ حماة و قلبهُ يبكي صامتاً على ما يحدُث ، جلس على مقعد بالقرب من النافذة ينعي أحلامه ينظر إلى الأفق حيث تلوح له قريته بالوداع كغريب في وطنه .
*****

دخلت أم راني مع مجموعةٌ من النساءِ إلى المنزل لتهنئةِ جورج على سلامتهِ وأخذت أم جورج تُرحبُ بهم ، كانَ وجودُ أمل غير مرغوباً من قبلهم فقد كانوا لا يبدونَ لها اهتماماً لأنها غريبةٌ عنهم ومن قريةٍ معاديةٍ لقريتهم فقد كان أساس هذه الحرب نشر الفتنة بين أبناء الشعب الواحد لتسهيل التجزئة و لتصبح سوريا لقمة سائغة لمن يرغب باغتصابها.
أحست أمل بالحزنِ لأن النساءُ يتجاهلونها على الرُغمِ من أنها كانت تجلسُ معهم للقيامِ بواجبهم مع أم جورج وميرال على الرغمِ من توعكها ، فأخبرت أم جورج أنها ستدخلُ إلى غرفةِ  ميرال للاستلقاءِ وأخذِ قسطٍ من الراحة ،
همست أمُ راني بأذن ميرال بصوت  : أين يارا؟.
ميرال : إنها في غرفتها نائمة متوعكة قليلاً.
أم راني : اتصلي لي براني اشتقت أن أحدثه.
ميرال : اتصل به جورج منذ قليل إن خط هاتفه مغلق.
أم راني : حسناً يا ابنتي إذا اتصل بكم أو استطعتم مكالمته أخبريني....فاليحميه الرب .
*****
طُرقَ البابُ و خرجت ميرال من غُرفةِ جورج لفتحه ولما رأت أن خالد وعلي هما الطارقان ، غمرت الفرحةُ قلبها لرؤيةِ خالد و استغربت قدومهُما فخالد لم يُخبرها مُسبقاً أنهُما ينويان المجيء.
ألقوا التحية و عندما صافحَ خالدٌ ميرال بقيَ ممسكاً بيدها قليلاً و عينيه تمسك بعينيها ، قاطعهما علي قائلاً : أينَ يارا؟.
ميرال : إنها نائمةٌ في غُرفتها ، تفضلا الآن.
دخلا غُرفةَ جورج وهنآهُ على سلامتهِ واضعينَ باقتي الأزهارِ على الطاولةِ التي كانت بجوارِ سريرهِ.
ولما غادرن النساءُ نظرَ جورج إلى علي قائلاً : أنتَ صديقُ يارا أليسَ كذلك؟
علي : نعم.
جورج: هل أحزنتها ؟أو هل تعلمُ عن شيءٍ يُحزنها؟.
علي : لا .. لكن هل تسمحُ لي أن أذهبَ إليها وأحدثها قليلاً.
ابتسمَ جورج و نظرَ إلى ميرال قائلاً : أرشديهِ إلى غُرفتها .
*****
طلبَ جورج من خالد أن يساعدهُ على النهوضِ من السرير ، ومضى مُتجهاً نحوَ غُرفةِ ميرال ليتحدثَ مع أمل بينما عادت ميرال إلى غُرفةِ جورج وجلست تحدثُ  خالد الذي كانَ وحيداً أما أم جورج فكانت تُعدُ الضيافةَ.
أخذَ خالد ينطرُ إلى ميرال ويحدثها وهي مُرتبكةٌ قائلاً : لقد اشتقتُ لكِ ، هل مازالَ كتفكِ يؤلمكِ؟
ردت ميرال وقد احمرت وجنتيها : وأنا أيضاً ، لقد أصبحَ أفضلَ من قبل.
*****
جلس جورج بجوار أمل على السرير و قال : آمل أن لا تكوني قد انزعجت من نساء قريتنا ، سيعتادون عليكِ لاحقاً و سيحبونك صدقيني.
أمل : هل سيتقبلون اختلافنا؟.
جورج: حتى و إن اختلف الطريق أو التوجه لن يستطيعوا إنكار أننا انبثقنا من روح واحدة و أننا متحدين رغم كل تباين بيننا فالروح المزدوجة تبقى متحدة حتى لو ابتعدت الأفكار أو الجسدان بعد السماء عن الأرض.
فرحت من كلماته ، فأمسك يدها بقوة قائلا : هيَّا انهضي لا يجوز أن نترك الضيوف لوحدهم.
*****
كانَ علي جالساً على الكرسي بجوارِ يارا التي كانت لا ترغبُ في أن تُحدثَ أحد ، لا يدري من أينَ يبدأُ الكلام بعد أن ألقى عليها التحية دون أن تجيبهُ ثُمَّ قال مُرتبكاً : هل أنتِ حزينةٌ بسبب خطيبكِ راني؟... أياً كانَ سببُ حزنكِ فهو لا يستحقُ أن يُحزنكِ هكذا.... فإنَ الفرحَ يليقُ بكِ أكثر...حتى وأنتِ حزينةٌ جميلة لكنك تُلبسينَ الفرح ثوباً أجمل.
باحت عيناها بما بها قبل فمها : سوفَ يتزوج من أخرى ولن يعودَ إلى هُنا .. لقد قالَ لي هذا دونَ أن يكترثَ ...قال لي لا أريدك لا أدري كيف استطاع أن يكلمني هكذا لكنه فعل.
اقتربَ علي منها وجلسَ بجوارها على السرير و وضع يداً فوق يدها و مسح بالثانية دموعها ، لم تكن هي الوحش الأنثوي الذي رآه أول مرة كانت كتلة من الرقة والطفولة التي أخذت تستحكم قلبه قال لها مواسياً : هوني عليكِ.. لا تبكي... لا يليق بكل هذا الجمال أن يبكي..اصفعيني إن كان هذا سيهون عليكِ لكن ليس كالصفعة السابقة فهي مؤلمة جداً.
فنظرت  في عينيه وضحكت ضحكةً منغمسة بالدموع: لا أريدُ أن أبقى في هذه القرية ، فكلُ شيءٍ فيها أصبحَ يخنقني ويؤلمني، لم أعد أرى فيها سوى حطام لأحلامي.
علي : لا بأس كل شيء من الممكن أن يبنى.
وضع كفي يديه على زنديها ، و نظر في عينيها ثم أكمل قائلاً : فقط كوني قوية.
يارا : أريد أن أذهب و أبقى عند عمتي في المدينة.

علي:حسناً بعدَ قليل سأعودُ أنا وخالد إلى المدينة هيئي نفسكِ لنأخُذكِ معنا.
مسحت دموعها وردت بصوتٍ مبحوحٍ مختنق قائلة : حسناً أخرج الآن واجلس مع عائلتي ريثما أهيئُ نفسي .
*****

خرجَ  علي وعادَ إلى غُرفةِ جورج ، استقبله جورج بسؤاله : هل علمت ما  بها؟.
علي: نعم لقد تركها خطيبها و أخبرها أنه سيتزوج.
ميرال : يتزوج؟؟؟؟!!!!!.
وضعت الأم كف يدها على خدها  بحسرة : يا إلهي.. ابنتي المسكينة ، كم حظها قليل!.

لم يغضب جورج من راني لأنهُ كانَ يعلمُ أن خروجهُ من هُناك هو أشبهُ بالمستحيل، لكنهُ حزنَ على شقيقتهِ التي فاقَ عذابها عُمرها الشاب بكثير وعلى أحلامها الفتية التي انهدمت  ،فكر بائساً بصديقِ طفولتهِ الذي كتبَ لهُ القدرُ حياةً لم يكُن يتمناها قَط وحكم عليه السجن في سراديب العذاب ثم نظر إلى علي قائلاً : كيف حالها الآن؟.
علي: تحزم أمتعتها تريد قالت لي أنها ستذهب للبقاء عند عمتها في المدينة فإنها لم تعد تطيق البقاء هنا.
جورج : من الأفضل لها الذهاب ستكون أفضل حالاً هناك.
*****

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن