الفاجعة

5 2 0
                                    

في حديقة المنزل كانت أم جورج تسقي الأزهار ، قدمت إليها أمل تحمل بين ذراعيها طفلها : هيَّا يا أمي أصبح الإفطار جاهزاً.
أم جورج : سوف آتي حبيبتي شارفتُ على الانتهاء، اتصلي لي بيارا أريد أن أكلمها لم أحدثها منذ يومين.
أمل : حسناً الهاتف في الداخل سأتصل اتبعيني.
أم جورج : كلميها ريثما آتي.
دخلت أمل إلى المنزل و توجهت إلى الشرفة حيث تركت هاتفها ، أمسكته و اتصلت بيارا لكن خطها كان مغلق بينما هي تحاول إعادة الاتصال اتصل جورج .
جورج : صباح الخير.
أمل : صباح النور حبيبي، لماذا صوتك متعب هكذا؟.
جورج : هل حاولتم الاتصال بيارا؟.
أمل : حاولت الآن خطها مغلق ، لماذا؟.
جورج : هل ولدتي بجوارك؟.
أمل : إنها في الخارج سوف تأتي بعد قليل، انشغل بالي ماذا حدث؟ .
جورج : لقد اقتحم المسلحون قرية علي و قتلوه ، و لا نعلم عن يارا شيء حتى الآن.
صدمت أمل لما قاله : يا إلهي .
جورج : لا تخبري و الدتي أو تضعي أمامها على قنوات الأخبار قولي لها أن شبكة الاتصال في محافظة حماة مقطوعة حالياً، لا أريد أن تتدهور حالتها الصحية.
تمالكت أمل نفسها و ملكت دموعها : لا تقلق لن أخبرها ، إنها قادمة .
أغلقت خط الهاتف و نظرت إلى أم جورج بارتباك : لقد أرسلت برسالة البارحة إلى جورج بأن الشبكة ستتعطل و تخضع لإصلاحات في قرية علي لبضعة أيام.
أم جورج : منذ البارحة و أنا أشعر بضيق في صدري لعله خير .
*****

حلَّ المساءُ دونَ أن تقبلَ يارا أن تأكُلَّ شيء أو تنطُقَ بكلمةٍ واحدة ، كانت جالسةً هادئةً تماماً كأنها بقايا طيفٍ لروحٍ راحلة ، حاولَ راني الدخولَ إليها مراراً وتكراراً وأخذَ يُحدثها مُعبراً عن حُبهِ وعن مكانتها في قلبهِ محاولاً إخراجها من الحالةِ المأساويةِ التي كانت فيها دون  جدوى أما رهام أخذت الغيرة تأكلها و الحزن يمزقها من تعامُلِ راني الذي كان سيئاً معها و اهتمامهِ الزائدِ بيارا دونَ أن تعلمَ بأنها كانت تعني لزوجها الحياة.
*****
نامَ الجميعُ في المنزلِ إلا يارا فروحها كانت أرقةً كانَ المنزلُ ساكناً تماماً ، أخرجها جرحها الساكن في قلبها من غُرفتها بهدوءٍ وهي بالكادِ تستطيعُ المشي على ساقها المصابة اتجهت نحوَ غُرفةِ راني ورهام دون أن تعي ما الذي تفعله كانت تجهل حتى ذاتها في تلك اللحظة، قرعت بابها بهدوء لكنهم كانوا نائمون فدخلت إليها وحملت الطفلةَ الصغيرةَ التي كانت موضوعةً على سريرٍ صغيرٍ بجانبِ سريري والديها ونظرت إليهما حيثُ كانا نائمينِ باتجاهينِ مُتعاكسين .
ثُمَّ خرجت من الغرفةِ حاملةً بينَ ذراعيها الطفلة وتوجهت إلى غُرفةِ الاستحمام ، ففتحت الصنبورَ و أخذت تنتظرُ حتى يمتلأَ حوضُ الاستحمامِ بالمياه بينما هي تراقب الطفلة بنظراتها التي يستبيحها الألم.
*****
سمعَ راني صوتَ المياهِ في غُرفةِ الاستحمامِ فظنَ بأن رهام تقومُ بالاستحمام ، حاولَ مُتابعةَ نومهِ لكن الذكريات أخذته إلى لحظات كان دوماً يُحب أن يعيدها و يعيشها حتى لو ذكرى.
هناك حيث ذهب هو وجورج و يارا إلى أحد شواطئ مدينة طرطوس ، حين انشغل جورج بالتعارف على فتيات كَنَّ على الشاطئ بينما دخل هو ويارا إلى البحر حيث عانقت بيديه صدره و أخذ يسبح وهي متشبثة به ، كم كان يحس بالثقة حينها تمنى لو أنها تبقى ملتصقة به إلى الأبد لكن الظروف أبعدته عنها بعد قصري كطفل أخذ من والدته عقب الولادة.
التفت إلى الجهة الثانية ليجد بأن رهام بجواره ، فنهض من فراشه قلقاً ليستطلع ما يحدث .
*****
امتلأَ الحوضُ بالمياهِ نظرت يارا إلى الطفلةِ الصغيرةِ التي كانت تُشبهُ الملائكةِ بجمالها و طهارتها وقالت بصوتٍ خافتٍ وبنبرةٍ حنونةٍ : سامحيني يا طفلتي لكنني أريدُ أن أُريحكِ من عذابِ هذهِ الحياة .
ثُم وضعت الطفلة داخلَ الحوض حتى اختنقت من المياهِ و ماتت ، كانت تنظُرُ إليها بشفقةٍ دونَ أن تعني ما تفعل  .
*****
توجه راني إلى غُرفةِ الاستحمامِ ليجد الباب مفتوحاً و يارا جالسةً على الأرضِ تحضُنُ الطفلة المفارقة للحياة بينَ ذراعيها ، نظرت إليهِ وقالت بهدوءٍ وحزنٍ : لقد توفيت.
ومدت لهُ ذراعيها اللتانِ كانتا تحملانِ الطفلةَ التي كانت ساكنةً لا تبدي أيَ حركةٍ كدميةٍ صغيرةٍ  ، نظرَ راني مذعوراً إليها وأخذَ طفلتهُ ملهوفاً ، و أخذت الدموعُ تتساقطُ من عينيهِ عندما وجدَ طفلتهُ الصغيرة مبللةً بالمياهِ و قد سُلبت روحها.
نظرت إليهِ يارا بحسرةً و قالت بصوتِ خافتٍ و هي تعاتبهُ : ما كانَ عليكَ أن تسميها يارا ، أنا أنقذتها من حظها السيء .
التفت راني إليها وهوَ يتمنى لو أنهُ كان يرى كابوساً و أن يكونَ ما حدثَ غير حقيقي ، ثُمَّ أخرجَ طفلتهُ ووضعها على الطاولةِ في الصالة وعادَ إلى غُرفةِ الاستحمامِ غاضباً حيثُ كانت يارا لا تزالُ جالسةً في أرضها، فأمسكها من شعرها ووضعَ لها وجهها داخلَ حوضِ المياهِ حتى كادت تختنق ثُمَّ أخذَ يضربُ لها جبينها بطرفِ الحوض حتى جُرِحَ وسالت الدماءَ على عينيها .
بقي يضربها حتى أغميَ عليها ثُمَّ نظر إليها بعد أن ضبط أعصابه قليلاً و قد فقدت الوعي بين يديه، أخذ يهمس خائفاً وهو يمسح على وجهها الذي كادت تغرقه الدماء(كيف استطعت فعل هذا!...أنا آسف.... يارا حبيبتي.... استيقظي.... أرجوكِ ... لم أكن أقصد فعل هذا ، لم أتحكم بنفسي ) و ضمها إلى صدره و أخذ يبكي بحرقة بكاء خرج من جوف قلبه.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن