كلٌّ على درب

4 2 0
                                    

كانت أم راني مستلقية على الأريكة حين قرع الباب  ، ففتحته وأخذت تعانقها و تقبلها ثم نظرت إليها بحسرة قائلةً : ألن تتراجعي عن قراركِ يا ابنتي؟.
يارا : لقد تخلى راني عني ، وأنا الآن أحاولُ ترميمَ رمادَ قلبي الذي أحرقه  ، هل تسمحينَ لي بالدخولِ إلى غُرفتهِ قليلاً.
ردت أم راني حزينة : طبعاً ، تفضلي.
دخلت  إلى غُرفته  وأخذت تتأملها وتتذكر الأيامِ التي أمضتها في هذهِ الغُرفة معه ُومع وجورج عندما كانوا يدرسون فيها سوياً أيامَ الامتحاناتِ المدرسية .
جلست على سريرهِ ووضعت الصندوقَ جانباً وأخرجت من جيبها الورقة ووضعتها بداخله أيضاً ثم حضنت وسادتهُ وأخذت تبكي بحرقةٍ وبعد أن ألقت بعضاً من حزنها على سريره
نهضت محاولةً أن تتماسكَ نفسها وخرجت تاركةً الصندوقَ على السريرِ.
*****

أُقيمَ حفلُ زفافِ يارا مع حفلُ خطوبةِ ميرال معاً في صالةٍ في مدينةِ حمص ،  بدت يارا فاتنةٌ جداً ، كانت سعيدة لكن ليس بحجم حزنها وخيبتها  فهي لم تتخيل يوماً أن يعقدَ قرانها على شخصٍ غيرِ راني ، كانَ علي  مفتوناً بها حيثُ كانَ وجودها بجانبهِ كفيلاً بكونهِ سعيداً ، أما والدتهُ فقد كانت غيرَ مسرورةٍ أبداً بما يحدُث، بدت ميرال أيضاً جميلةً حيثُ كانَ أفرادُ عائلةِ خالد يتحدثونَ عن بهاءها و نعومتها  فيما بينهم و فرح خالد بها لا يضاهى ، رقص خالد مع ميرال فأمسك علي يد يارا قائلاً : هل تسمحين لي بهذه الرقصة .
يارا مبتسمة : بالطبع.
نظر في عينيها نظرة عميقة : يا الله ما أجمل عينيكِ على الرغم من أن حزناً لا يخفى يستوطنهما منذ عرفتكِ.... ألستِ سعيدة الآن؟.
يارا : بلى .... لكنني قلقة حيال حياة جديدة تنتظرني.
علي : لن أوعدكِ لإني أخاف أن يرغمني القدر على خيانة الوعد لكنني سأفعل ما بوسعي كي يهجر الحزن عينيكِ .



*****
كانت ريهام تحضّرُ العشاءَ لراني مسرورةً بتغيرِ معاملتهِ معها للأفضل لكنها كانت تلاحظُ دوماً أنَّ بالهُ مشغولٌ بشيءٍ ما دونَ أن يُخبرها بما يدور في ذهنه  ، فهوَ لم يخبرها حتى عن اسمهِ الحقيقي ، كانت تظنُ أنَّ اسمهُ أحمد وهوَ كانَ يخشى أن يُخبرها بالحقيقةِ خوفاً من والدها.
عندما انتهت أحضرت له الطعام وجلست تحدثهُ سعيدةٌ مخبرةً إياهُ بأنهُ سيصبحُ أباً ، غضبَ راني فقد أحس أن هذا همٌ جديدٍ يبعدهُ أكثر عن أملِ أن يعودَ يوماً إلى من يحب ووبخها طالباً منها التخلصَ من الطفل، لم تتوقع ريهام أن تكونَ ردةَ فعلِ راني بهذا الشكل فقد ظنت أنه سيفرحُ بهذا فغادرت مائدةَ الطعامِ دون أن تأكل وجلست في إحدى الغُرف و أقفلت على نفسها الباب وأخذت تبكي ، بينما دفع هو مائدة الطعام الموضوعة في الصالة أرضاً و أخذ يحطم كل شيء حوله .
*****

وبعدَ مرورِ عامٍ أمضتهُ يارا مع علي الذي كانَ يغمُرها بحبهِ ولطفهِ وكان مولعٌ بها و قلبه متعلقٌ بها على الرغمِ من أنه كان يشعرُ أحياناً بأنها لا تحبهُ كما يحبها، فكانت حينَ تعودُ من جامعتها مُتأخرةً إلى المنزل تجدهُ قد أعد الطعامَ وينتظرها ليأكلا سوياً ، كانَ يسمحُ لها بزيارةِ صديقاتها و عائلتها متى شاءت  ، في مساء أحد الأيام دخل إلى الصالة عائداً إلى منزله ليجدها تفرد المحاضرات و الكتب أمامها تدرس من أجل امتحان الغد ، طبع قبلة رقيقة على جبينها ثم قال : غداً آخر امتحان لهذا الفصل ، عليك أن تنجزيه بشكل جيد لأفخر بكِ أكثر.
يارا : لقد مللت من الدراسة ، كم أرغب برحلة مطولة بعد هذا الضغط الدراسي.
علي : عندما أقول لكِ بأنكِ تجلسين في قلبي فأنا محق ، لقد حجزت مقعدين من أجل الذهاب إلى قريتي في اليوم التالي لزفاف ميرال وخالد لزيارة والدتي ، سآخذكِ في جولة في قريتنا عندما نذهب.
يارا: كم أنا متحمسة لهذا.
*****

عادَ جورج إلى عملهِ بعدَ إجراءِ بعضِ التحقيقاتِ معهُ، حيث انتقل عمله إلى مدينة دمشق ، كان يأتي في إجازة كل شهر لبضعة أيام يقضيها مع عائلته ، كان يجلس في فترة الحراسة شارداً يفكر بأمل و بطفله المولود حديثاً الذي لم يشبع من رائحته بعد حين جاء أحد أصدقائه ليبلغه أن طلب الإجازة الذي قدمه للذهاب لحضور حفل زفاف شقيقته قد تم الموافقة عليه فتراقص قلبه فرحاً بهذا الخبر.
*****

انتهت امتحاناتُ ميرال أخذت تستعدُ لزفافها بمساعدةِ شقيقتها يارا التي كانت تساعدُها في بعضِ التفاصيلِ الخاصة بالزفاف كاختيارِ الفستانِ والمجوهراتِ وتسريحةِ الشعرِ وبعضِ الأمورِ الأُخرى .
عُقدَ الزفافُ وكانَ هذا هو اليوم المنتظر في حياةِ كُلِ من ميرال وخالد كانت يارا سعيدةً برؤيةِ عيني شقيقتها الصغيرة التي بدت في غايةِ الجمالِ تبرقانِ فرحاً متمنية لها حياة سعيدة يغمرها الاستقرار و التفاهم.
*****
كانَ راني جالساً على السريرِ يداعبُ طفلتهُ الصغيرة التي أسماها يارا والتي لم يتجاوز عمرها الشهرين، قد اقتنع بشكل شبه تام بأن ليس له نصيب بالعودة إلى دياره و حبيبته التي لا يدري ما حلَّ بها من بعده ، كانت هي غصة قلبه و أميرة ذكرياته المجهولة التي حاولت رهام بسببها الاستفسار مطولاً لتعلم ما يؤرق قلب زوجها لكن دون جدوى.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن