الدفتر

4 2 0
                                    

أخذ علي يخرج بعض الثياب التي ينوي أخذها معه في رحلته بينما كانت يارا تستحم حين وجد دفتراً صغيرة في الجهة العلوية من الخزانة فتحه ليجد فيه كتابات قد كتبتها يارا ، بدأ يقرأ
-1- و حين شاب قلبي اعتزلت حبه و مضيت في طرقات الحياة كعجوز شابة تحاول إحياء ما تبقى منها من جديد تبحث عن ذاتها القديمة في كل زاوية وشارع
ألعب مع الأطفال لعلي أجد فيهم شيئاً  من نفسي و أنا لست بطفلة
أحادث الشابات لعل بريق الأمل يضيء بداخلي و أنا لست بشابة
أجالس العجائز لأذكر عقلي باتزانه و أعيده إلى طريقه السوي وأنا لست بعجوز
أنا حقاً لا أدري من أنا لقد تاهت مني نفسي و لم أعد أجدها و كأن لعنة حبه قد أصابت قلبي و تعاويذ كلماتها قد خلدت في ذاكرتي إلى الأبد.
-2- على أطلالك وقفت بين النسيان و الذاكرة أبكيك كما يبكي الغرباء أوطانهم يتحاشاك وعيي وفي اللاوعي أشتاقك ، يتناساك قلبي و في جوف التناسي تقطن ذكراك، عند كل مرور في مكان سابق لنا تتسارع خطواتي تظن أنها تهرب بي نحو مكان يخلو منك لا تدري بأن خطوات قلبي تسبقها و تسبقني.
-3- جميعنا مخادعون الصدق طفل تاه في طرقات قلوبنا المظلمة،جميعنا ندعي أننا نمتلكه لكنها أكذوبة ساذجة ابتكرتها عقولنا لنقنع أنفسنا أننا مازلنا أرواح أطفال بيضاء لم يلوثها القدر و لم تعبث ببساطتها العواصف لتحنيها وتكسرها ألف مرة جميعنا أرواح مشوهة.
-4- انتظر من فضلك لحظة ، قبل ذهابك أخبرني علمني كيف أتقن فن النسيان
كيف أمنع قلبي نت الالتصاق بك! ، كيف أدعك تغادر دون أن تستوطنني حتى بعد رحيلك،دون أن يزيد تدفقك مع الدم الذي يضخه فؤادي كلما زادت المسافات؟
علّمني.... كيف أمر بطرقاتنا وحيدة ولا أسمع بكاء روحي؟؟؟
كيف أرى غيرنا مكاننا ولا يلتهب الدمع في عيوني!!!
بالله عليك علمني أن أنام كل ليلة دون أن أسمع صوت تكسر أحلامي
-5- نجف عندما نحيا بكثير من الموت....قليل من الحياة.
-6- لست دقيقة في مواعيدي أسعى دوماً لمفاجئة توقعاتكم ، فعندما تنتظرون و قوعي سأقف و عندما تشتاقون لدموعي سأضحك وفي لهفتكم لرؤية ألمي عند خذلاني سأكون أكثر صلابة أمام انكساري.
-7-  في ذاك الطريق جلست أداوي ألمي لأمضي قوية كما مضيت أنت، أجمع أشلاء ما تركته لي مني أحتضن جراح الفراق النازفة حباً ، أنظر إلى حيث ذهبت لعلك تعود ، أراك في كل قادم رافضة أن أصارح نفسي في هوانها بأنك مضيت و لم تنطق بكلمة اعتذار... لم تمسح برفق على براكين الوجع التي فجرتها و لم تحاول حتى إخمادها ، كل خطوة ثقيلة خطيتها كانت تكسر روحي التي تتشظى نحوك عاشقة فتردها إليَّ لتغرس أجزاءها الحادة في طيات قلب أحبك.
-8- في هدوء كل ليلة ترحل روحي إليك في غفلة من عقلي ، تحدق مدهوشة بعينيك الغافلتين عن جراحي... بجسدك المستلقي بهناء على معاناتي... تتمعن مغرومة في ملامحك التي تزيد جمالاً فتزداد عطشاً إليك متناسية بأنها قد سرقت من إشراقي لتتفتح وزادت في ذبولي.
-9- لم أكن أنجو منك، كنت عالقة في متاهتك أتخبط بك أينما التفت، أتعلق بحبال النسيان فتنقطع بي كلما راودني اسمك.... كلما رأيت ظلا أو استنشقت رحيلاً تناجيك روحي ، تطلب الرحمة باكية ثم تسكن مترقبةً في سكونها مجيئك ، تنتظرك و لا تأتي فتنطوي على نفسها منتحبة ، كنت أسير في طرقاتنا منفردة أتلهف لمعجزة تجمعنا  ، أترقب الشتاء لعله يرمي بك إلي فأستعيدك أو على الأقل أروي أملي برؤيتك لأقوى على الصبر مجدداً عندما ترحل.
-10- كقاطع طريق عيناك كلما مضيت في سبيلي هاجماني ليسلباني كل قوتي التي حاولت استجماعها للاستمرار من دونك.
-11- بحثت عن نفسي طويللاً أخذت أفرد حقائب الماضي ، أختلس النظر إلى ساحات النسيان أخشى أنها قد سقطت مني و أنا هاربة من حبك ، أقلب دفاتر الذكريات راجية أن أرى صورة لها لأستذكرها لعلي إن وجدتها أبرم معها عقداً بعدم التخلي عنها من جديد.
-12- تحملك إلى ذاكرتي عواصف النسيان دوما ، أطلب منها أن تأتي وحيدة لكنها تأبى ، كأنها تريني انتصارها يوم حاولنا هزيمتها بالبقاء سوياً فأرادت أن تنتقم و تعذبني برسم صورتك في مخيلتي مع كل ريح تهب منها.
-13-  كنت أملي و وميض أيامي ، كنت ذاك الحلم الذي أحب أن يرتابني في النوم و اليقظة  واليوم استيقظت منك.... استيقظت لأرى من واقعك كابوساً كان يضع على قبحه قناعاً على هيئة حلم.
-14- أزور مواطن الذكرى أستنشق عبق ما تبقى من أولئك الذين رفضوا أن تبقى تلك اللحظات حاضراً فرموا بها في مهملات الزمن  و حفروا لها قبراً في قلوبهم ثم أحكموا إغلاق تابوتها كي لا تتسلل إليهم ليلاً و تعلق في وسائدهم كما حدث لي حين ارتكبت هذا الخطأ
أقبل جدران تلك الأمسيات النائمة لعلها تستيقظ لتدعوهم إلى إحيائها من جديد فأحيا أنا بها
ألملم ما تبعثر مني ومنهم لعل تلك البقايا تتعافى عندما أرعاها و أحتضنها فتعود إلينا لتكملنا و تعيد أنفسنا المهاجرة إلى تلك الأوطان لتدب فيها حياتها المسلوبة و تتلائم كل جراحنا الملتهبة.
-15- بكيت شوقاً إليك حتى نزفت دموعي
ناديت خلف سرابك حتى تاه صوتي
لم يبق لي في قلبي سواك و آهاتي
جريت حافية المنطق عل أشواك ابتعادك
لماذا لم تلتفت؟
هل قبَّح الحب وجهي حتى تجاهلت ندائي أم صفعك غرورك المولود بعد أن أحببتك.

قاطعت قراءته يارا التي أمسكت الدفتر من يده دون أن يلتفت قائلة بارتباك : إنها كتابات قديمة.
أمسكها من زنديها بكفي يديه بقوة : لهذه الدرجة أنتِ تعيسة معي؟؟؟؟؟ إني أفعل ما بوسعي مقابل ابتسامة منك تنسيني كل عذابي.
يارا : لست تعيسة أنت بلسمي.... قلت لك كتابة قديمة.
علي : كاذبة .
أفلتت نفسها منه بغضب قائلة : لا أنكر بأن في قلبي خيبة لم أستطع تجاوزها لكنني لست كاذبة ، كنت صادقة معك بكل شيء منذ البداية.
ثم فتحت على الصفحة التالية لآخر فقرة قد كتبتها حيث كان مدون فيها تاريخ الزواج و قالت له وعينيها تغص بالدموع : أنظر... لم أكتب شيئاً منذ تزوجنا... لم أكذب.
عانقها بقوة وهو يكاد يبكي قائلاً : آسف يا حبيبتي لم أقصد....لا تحزني... قولي لي بأنك تحبينني لعل قلبي يكف عن تمزيق نفسه بعدما قرأت.
يارا : أحبك.
علي : كم تمنيت لو أحظى بحب أكبر من هذا في قلبه.
نزلت الدموع من عيني يارا : لماذا تؤذيني بهذه الكلمات.
علي : لم أقصد إيذائكِ فهل هناك من يرغب بإيذاء روحه.
مسح دموعها و أكمل قائلاً : لا تبكي من أجل صحة طفلنا القادم، والآن سأكمل التجهيزات ريثما تهيئي نفسك كي لا نتأخر على الحافلة.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن