كم تمنينا وشئنا

4 2 0
                                    

هو مشهد لن تنساه ما عاشت ، صوته المتألم الذي كان يودعها ( اعتنِ بنفسكِ و بطفلي ) ، نظراته ، عيناه ، يداه التي كانتا متشبثتان بيدها ، كلها تفاصيل رحلت بين يديها ، روح رجل فارقت الحياة بين يدي حبيبته ربما هي سعادة له لكنها مأساتها الثائرة التي أيقظتها بعنف من نومها ، فتحت عيناها لترى نفسها وحيدة في غرفة موحشة ، تمعنت فيها بنظراتها لتسترجع كل ما جرى ، أيقنت أنها فقدت طفلها لكنها بقيت تتجاهل التفكير بالأمر لعل هذا يهون عنها قليلاً ، أخذت تمرر يدها المرتجفة من الحزن على أماكن الكدمات لكنها لم تستطع أن تقاوم أو تتهرب من مواجهة ما حلَّ بها أكثر ، وضعت الوسادة بالقرب من فمها و بكت بكاءاً كادت تخرج فيه روحها من حنجرتها ، بكاءاً لم يسمع صوته إلا الله ، كان جسدها يرتعش و كأنها تحتضر ، تهمس بصوت غير مفهوم وكلمات مكسورة كقلبها ( س.امح.ني يا عل.ي ...... لم أست.تطع المح.افظ.ة على طف.لنا ......لا أص.دق أنهم قت.لوك ..... عد و ام.سح على جرا.حي كما ك.نت تفع.ل في ك.ل مر.ة ..... ساع.دني يا إل.هي لم يع.د قلب.ي يحتم.ل ).
*****
لم يستطع جورج النوم طوال الليل بقي مستيقظاً حتى حل وقت دورية عمله في الصباح، لم يخبر أحداً من عائلته بما جرى كي لا يشغل بالهم كما حدث له ، خرج من غرفته بملابس العمل التي لم يخلعها عنه منذ الليلة الماضية بوجهه الشاحب و عيناه المحمرتان من البكاء و قلة النوم ، بدأ عمله بتفتيش و سائل النقل المارة و الإطلاع على هويات ركابها و هو بالكاد يقوى على الوقوف.
*****
كان راني يتقلب على السرير يحاول مواصلة نومه حين استدرك عقله أن ما حدث في الليلة الماضية كان حقيقة ليس بحلم قال في نفسه(يا إلهي لقد غفوت)، نظر إلى رهام النائمة بجواره و إلى طفلته النائمة على سريرها ثم خرج بهدوء مغلقاً الباب خلفه و توجه إلى الغرفة حيث تقطن يارا.
فتح الباب عليها ليجدها جالسة على الأريكة هادئة كما لم يعهدها من قبل، تحدث بصوت خافت : الأميرة مستيقظة!!! .
جلس بجوارها و أخذ يتأمل وجهها المزرق من الضربات التي تلقتها من نجوى في الليلة الماضية و جفونها المحمرة من البكاء ، قرب يده من شعرها متردداً : هل ما زالت جراحك تؤلمكِ؟؟ ..... هل أنتِ جائعة؟؟ .
لم تكن تجيبه كانت ساكنة بقدر إنهاك روحها و إرهاق قلبها، أكمل قائلاً : هل تتخيلين حقاً أن أحب سواكِ يوما ، لقد تركت قلبي بجوارك قبل أن أذهب ، كيف سأحب بدون قلب ... كل الذي ترينه الآن هو واقع فرض عليَّ أن أعيشه ، استسلمت له بعد أن أصابني اليأس من العودة ، أنتِ حلمي الذي لم يفارقني يوماً ، ربطة العنق التي أخذتها منكِ في آخر لقاء لازلت أمتلكها أكلمها كل يوم ألجأ إليها كل ما امتلكتني الوحدة ... أرجوكِ تحدثي ... لا تقلقيني عليكِ أكثر .... إن الحزن الذي أنتِ فيه يقتلني ، تنقبض روحي لتخنقني عندما تكوني حزينة ، فما بالكِ الألم الذي أعانيه لأنني سبب في تعاستكِ! .
أمسك المرهم الذي أخبرته عنه أم أيمن ، أخذ يطبع قبلة على كل كدمة في وجهها ثم يعصر على إصبعه القليل منه و يدلكها بلطف و هو يقول ( سيأتي يوم و أحرقهم بيدي ، تلك السافلة نجوى سأعرف كيف أنتقم منها على ما فعلت ).
كان سعيداً لأنها بقربه حزينا على حالها في نفس الوقت كم تمنى لو قابلها في ظروف أفضل ، أما هي كانت شاردة تشعر  بأنَ هذه الحياة تقومُ بالانتقامِ منها و كأنَ كُلَ شيءٍ يحدُث يتقصدُ إيذاءها .
سمع راني صوت بكاء طفلته فقال ليارا : عليَّ أن أخرج الآن ، إياكِ أن تظني بأني أخاف على مشاعر أحدٍ سواكِ ، لكني أفعل كل هذا لأخرجكِ من هنا بأمان كي لا يؤذيكِ أحد.
خرج من الغرفة بهدوء و تظاهر أنه يغتسل في غرفة الاستحمام.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن