الطريق إلى النسيان

5 2 0
                                    

بدلت يارا ملابسها و وضعت بعض المستلزمات والأدوية المُهدئة في حقيبةٍ صغيرةٍ ،قبلَ خروجها من غُرفتها أمسكت بهاتفها النقال محاولة الاتصالَ براني لعلهُ يجيبها ويخبرها أنها قد كانت تحلمُ وأنهُ لن يكونَ لغيرها لكنَ رقمهُ قد كان خارجَ نطاقِ التغطية فوضعت الهاتفَ في جيبها ثم خرجت مودعةً ، أخذت والدتُها تبكي عندَ مغادرتها المنزل لكن جورج أخذَ يهونُ عليها مُخبراً إياها بأن هذا سيكونُ أفضل لها .
*****
في الحافلة جلس علي في المقعدِ المجاورِ ليارا بينَما جلس خالد في المقعدِ الذي كانَ خلفهُما بجانبِ رجلٍ عجوز .
كانت تنظرُ عبرَ النافذة إلى قريتهاِ التي كانت بالنسبةِ لها جنة قضت فيها أجملَ اللحظات أما الآن فتحولت إلى كابوسٍ من الذكريات ،ذهبت آمالها الجميلة ولم  تترك لها سوى الخيبة والخذلان،ما يزيد ألمها هو صوت فيروز حيث كانت تردد في أغنيتها (( وشو قالوا يا عمر حلو وما دقتك) ، سندت رأسها على الكرسي لتنام لعلها ترتاح قليلاً من إرهاق الليلة الماضية و عندما غطت في النوم سندت رأسها بدون قصد على كتف علي .
*****
وصلَ راني مع الرجالِ إلى القريةِ المقصودة وتم إعدادهم لمواجهةِ قواتِ الجيشِ التي كانت تحاولُ استعادتها لسيطرتها ، بدأَ الرجالُ المُسلحون يصدونَ الهجومَ متضامنينَ مع بعضهم أما راني فكانَ يتظاهرُ بأنهُ يقاتلُ معهم لكنهُ كانَ يتقصدُ إطلاقَ الرصاصات النارية من بُندقيتهِ إلى الأماكنِ الفارغة من رجالِ الجيش كي لا تصيبَ أحداً.
*****
وصلَت الحافلة إلى المدينة نزلَ خالد عندَ حاجزِ الجيشِ الذي يعملُ فيهِ ، أيقظ  علي يارا بلطف فأبعدت رأسها عن كتفه قائلة : أعتذر لم أنتبه لنفسي.
علي: لم أنزعج ، اين يقع منزل عمتكِ لقد وصلنا.
نظرت من النافذة ثم قالت : إلى الأمام قليلاً.
لم يسمح لها أن تذهب للمنزلِ قبلَ أن تذهبَ معهُ إ لتناولِ الغذاء وألحَ عليها في الطلبِ حتى وافقت .
فذهبا إلى مطعم قريبٍ من منزلِ عمتها ،تناولت القليل من الطعام على الرغم من عدم رغبتها كي لا يحزن منها ،قامَ بإيصالها بعد أن أنتهيا قام بإيصالها إلى أمامِ بابِ المنزلِ شكرته قبل دخولها : شكراً لك لقد عذبتك بمشاكلي.
علي : أحب هذا النوع من العذاب عذبيني دائماً ، إنني أخدم على الحاجز في الحارة التالية آمل أن أراك يومياً.
يارا : إن رغبت بالخروج سوف اكلمك .
علي : و إن لم ترغبِ ، سأجلس أمام المنزل كي تخرجي.
يارا : حسناً ، أراك لاحقاً.
دخلت المنزل بينما عادَ أدراجهُ نحوَ الحاجزِ ، بدل ملابسهُ وارتدى زيهُ العسكري ووقفَ على الطريقِ الرئيسي الحاجزِ يرى البطاقات الشخصية ويفتش السيارات.
*****
جلست يارا تتحدثُ مع عمتها حيث رحبت بها ترحيباً حاراً و بدأت تسرد لها كل ما جرى معها ، كانت  تعيشُ مع طفلها الصغير طوني ذو البضعةِ أعوام أما زوجها فهو مُسافرٌ خارجَ البلادِ للعمل .
قالت العمة : كم أرغب برؤية جورج ، سوف اذهب في نهاية هذا الأسبوع لزيارته.
يارا : حسناً ، وأنا سأعتنِ بطوني إن لم ترغبي بأخذه معك فأنا لا أرغب بالعودة إلى هناك.
*****


أسعفَ راني إلى أحد المستشفيات الميدانية في القرية التي نُقلَ إليها حيثُ كانَ أحدُ الأطباءِ يستأصلُ لهُ أحدَ الرصاصاتِ التي أصيبَ بها في ذراعهِ .
استطاعَ المسلحون  صدّ الهجومَ على تلكَ القرية ،أخذَ القائدُ يطمئنُ على حالِ المُصابين في المشفى ، و طلبَ من أحدِ رجالهِ أن يزوجَ ابنتهُ لراني مكافئةً لهُ لتعتني بهِ  ريثما يعودُ لصحتهِ من جديد ويتابعُ مسيرةَ القتال ، وأخذَ يُهنئُ رجالهُ بالنصرِ.
*****
مرت الأيامُ كانت يارا تخرجُ كل مساء لترى علي الذي  يحاولُ التخفيفَ عنها و يتعلقُ بها كُلَّ يومٍ أكثرَ فأكثر ،  تمضي و قتها في أي شيء لتتجاهل التفكير و ألم فؤادها الذي لو حررته لقتلها ، تأخذ قبل النوم حبة مهدئة لتقاوم الأرق فقد أصبح راني بالنسبة لها ذاك الطيف الذي يتوسد أحلامها يترقب سكونها ليأتي متمختراً منتعلاً قلبها مرتدياً ثوب كلماتها الذي زاده ثقة ، يعلم أن عينيها لم تر في دنيا الهوى من قبله ولا من بعده أحداً فيسلك طريقهما ليختلس النظرمبتهجاً إلى نفسه داخلها، يصد صوت ندائها الملهوف مبتسماً ويعود، يعود بخطواته متراقصاً على وقع أنغام تكسرها منتعشاً يسقي نقصه بمطر عينيها ، لم  تعلم أن راني كان يتمنى الموت ألف مرة قبل أن يخدش قلبها و أنه في المعركة الأخيرة ألقى بنفسه بين الرصاص لكن الله لم يرد له أن يموت.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن