اشتباك

7 2 0
                                    

أنهت سمية امتحانها باكراً قبل انتهاء الوقت المحدد لهُ  ثُمَّ أشارت برأسها لميرال التي كانت تجلسُ على مقعدٍ بنفس قاعتها الامتحانية لكي تتبعها.
سلمت ميرال ورقة الامتحان وتبعت سمية التي كانت تنتظرها أمام القاعة وعند وصولها إليها وضعت القلم وورقةَ الأسئلة في جيبِ حقيبتها ثُمّ نظرت إليها وقالت مُرتبكة : ماذا سنفعلُ الآن؟
سمية: إنهما ينتظرانا أمام المدرسة سوف نمشي باتجاه الأرضِ التي خلف المدرسة و سيتبعاننا ثُمَّ نجلسُ معهما بعيداً عن نظر الناس.
ميرال: أنا خائفة ، لنقف معهما قليلاً أمامَ المدرسة ثُمَّ نعود...لا أشعر بالاطمئنان.
ردت سُمية غاضبة : ما بكِ أيتها الجبانة! لن نتأخر، إن رآني أحدٌ من أقاربي عند المدرسة سوف يقتلونني عند عودتي لقريتي..لقد جاؤوا من حمص إلى هنا لرؤيتنا لا تفسدي الأمر.
*****

خرجت ميرال وسمية من المدرسة  واتصلت سمية بعلي طالبةً منهُ أن يتبعهما هو وصديقهُ ، وأخذتا تمشيانِ في البساتين التي خلف المدرسة ليبتعدوا عن نظرِ الناس.
ارتبكَ صديقُ علي ونظرَ إليهِ قائلاً بقلق: إلى أينَ نحنُ ذاهبان أنا لستُ مُرتاحاً لهذا، كيفَ لك أن تثقَ بفتاةِ لم تعرفها سوى بواسطةِ الهاتفِ النقال.
ضحكَ علي وردَ قائلاً : لا تقلق ، المنطقة آمنة هُنا لقد سألتُ عنها قبلَ قدومي.
وعندما ابتعدتا  عن نظرِ الناسِ قليلاً توقفتا حتى وصلَ إليهما علي وصديقهُ اللذان كانا خلفهما، ألقى علي التحية وقامَ بتعريفهما على صديقهِ خالد وقامت سمية بالتعريفِ بصديقتها ميرال.
ثُمَّ مشى علي وسمية في البساتينِ بناء على طلب سمية وكانَ خلفهُما يسيرُ خالد الذي أُعجبَ بميرال وجمالها كما كانت هي مُرتبكةً وشديدةَ الخجل في الحديثِ معهُ.
كانوا جميعهُم سُعداء وكل اثنينِ فيهما تأخُذهما الأحاديث دون أن يعلموا أن سُمية تقودُهم إلى الموت.
عندما وصلت سمية إلى الأرضِ المُتفقِ عليها والتي كانت تملؤها أشجارُ التينِ والمشمش طلبت منهم أن يجلسوا ليرتاحوا بينما أرسلت هي رسالةً إلى القائد من هاتفها النقال أخبرتهُ فيها أنَ كُل شيءٍ أصبح جاهزاً متظاهراً بأنها تجيب على رسالة لوالدتها تسألها فيها عن امتحانها.
*****
كانت قوات اللجان الشعبية متخفية في المكان في أرض مجاورة للأرض الجالسين فيها الشبان استخدمت يارا المنظار لترى  أن شقيقتها أيضاً مع الفرائس التي تُريدُ سُمية تسليمها، فملأَ الخوفُ قلبها وذهبت بخطواتٍ خفيفةٍ نحو قائدها ونظرت إليهِ وهيَ تكادُ تبكي وقالت:  لقد أحضرت شقيقتي معها.
اندهشَ القائدُ وقال لها: لم يعُد بوسعنا فعلَ شيء أخشى من أن يكون المسلحين يحاصرون المكان عندها إذا اقتربنا سوف يحاصروننا جميعاً ...سأحاول تخليصها لكن عليكِ أن تهدئي و تتركي الأمور تسير كما اتفقنا.
صمتت يارا وحاولت أن تكون هادئة لكن قلبها الذي كان ينتفض خوفاً على شقيقتها لم يهدأ.
دخلَ بعضُ الرجالِ المُسلحين نفقاً يصلُ بين القريتين و من بينِهم جورج وراني ، أخذ جورج يوصي راني بأمل وطفله الذي في أحشائها ،بينما كان قلبُ راني يتقطع شوقاً لأنهُ سوف يصلُ إلى أطراف قريتهِ إلى حيثُ كان يخرجُ مع عائلتهِ وعائلةِ جورج في نزهة قبل الأزمة السورية دون أن يتمكن من العودةِ إلى منزله، أعاصير من المشاعر شرعت تدفعه إلى دوامة من الذكريات.
خرجَ المسلحون من الطرفِ الآخر من النفق ليصبحوا في الأرضِ التي يجلس فيها الشبان الذين كانوا راكنين تحت الأشجار .
اقتربَوا بينما بقيَ راني وجورج مع ثلاثةِ رجال آخرين بالقربِ من النفق لمراقبةِ المكان.
ملأَ الذُعرُ قلب علي وخالد وميرال عندما نظروا حولهم ليجدون نفسهم محاطين بستةِ رجالِ مسلحين، أما سمية فكانت في مُنتهى الاطمئنان والراحة.
نظرت ميرال إلى سُمية خائفة : ما هذا؟
ضحكت سمية والحقدُ يملأُ عينيها ونظرت إليهم جميعاً وقالت: جميعُكم قتلتم كُلَ أحلامي....عائلتي و زوجي ، واليوم دوركم لتعانون ما أعانيه.
نظرت إليها ميرال مصدومةً تكادُ تبكي من الخوف: زوجكِ!!!!...ألستُ صديقتكِ!.. ماذا فعلتُ لكِ؟.
سمية : أنتِ لم تفعلي شيء لكنَ أهلَ قريتكِ قد فعلوا الكثير وأنتِ لستِ أفضلَ منهُم.
ثُم نظرت إلى الرجال و أشارت لهم بالإمساكِ بهم ، فاقتربَوا و قبضوا عليهم دون أيِّ مقاومةٍ منهُم بسبب كثرةِ عدد الرجالِ وسلاحهم.
كانت يارا تُراقبُ ما يحدُث من على بُعد، حين صوبَ عددٌ من رجالِ اللجان الشعبية بندقياتهم صوب الرجال المُمسكين بالشبان ، ثُمَّ أطلقوا النار بأمرٍ من القائد واستطاعوا اصابتهم ، فوقعَ الرجُلين الذين يُمسكانِ بعلي وخالد أرضاً أما الرجُل الذي يُمسكُ بميرال فقد أصيبَ بذراعهِ واستطاعت هيَ الإفلاتَ منهُ لكنهُ وجهَ بُندقيتهُ نحوها وأطلقَ النار عليها مُصيباً إياها في
كتفها ثُمَّ تعثرت بحجرٍ ووقعت أرضاً.
اختبأَ الرجالُ الثلاثة المُتبقيين خلفَ الأشجار وأخذو يطلقونَ النار نحو الجهة التي أطلقت عليهم أما علي وخالد وسمية فقد استلقوا أرضاً كي لا تستطيع الطلقات النارية إصابتهُم.

أطلقت يارا الرصاص نحوَ الرجلِ الذي أطلقَ الرصاص على ميرال واستطاعت قتلهُ ثُمَّ ركضت نحوَ شقيقتها وهي تمسكُ سلاحها بعد أن شاهدتها تقعُ أرضاَ ، وصرخ  عليها قائدُها طالباً منها التوقف لكنها لم تأبه لهُ فخوفها على شقيقتها الوحيدة قد شلَّ تفكيرها.
في حين أمرَ أحدُ الرجال جورج بأن يذهبَ ويستطلعَ ما يحدُث رافضاً طلبَ راني بمرافقتهِ.
  
ركضَ جورج وهو يتنقلُ بين الأشجار كي لا تصيبهُ النيران ليشاهدَ ما يجري وليرى هل هُناكَ أملٌ بهربهِ وعودتهِ إلى قريتهِ فشاهدَ أحدِ المُسلحين يوجهُ بُندقيتهُ ليطلقَ النارَ على يارا فرفعَ جورج بُندقيتهُ وأطلقَ النارَ عليهِ لحمايتها لكن دون أن يعلم أنها فتاةٌ حتى ، فتوقفت هي ونظرت إليه وإلى البندقية في يدهِ  دون أن تعلمَ أنه شقيقها  فقد كان لا يظهرُ منهُ سوى عينيه بينما كانَ هوَ ينظُرُ لها مُتعجباً لكونها فتاة ترتدي زيً عسكري وتقاتل ولم يستطع معرفةِ أنها شقيقتهُ لأنها كانت تُغطي بالوشاح الجزء السفلي من وجهها ،قامت بإطلاقِ النارِ عليهِ وإصابتهُ في صدرهِ ظناً منها أنهُ يريدُ قتلها دون أن تعلم أنه قد قام بإنقاذِ حياتها ثُم تابعت طريقها باتجاهِ ميرال.
انسحب الرجُلين المُسلحين الذين بقيا على قيدِ الحياةِ راكضين وركضت خلفهُم سمية لكنَ علي أمسكَ ببندقيةِ أحدِ المُسلحين القتلى وأطلقَ النارَ فأصابها في ظهرها موقعا إياها أرضاً.
بينما اقتربت يارا من ميرال وعانقتها و أخذت تبكي وتصرُخُ قائلةً : لماذا فعلتِ هذا بي، ألم أخبركِ أن تعودي لماذا أردتِ أن تقتليني أنتِ أيضاً من جديد...ألا يكفيني ما أعانيه.
فتحت ميرال عينيها و مسحت بيدها على وجهِ يارا قائلةً بصوتٍ مُتعب مُتألم: لا تغصبي مني أرجوكِ ، فأنا أيضاً أُحبُكِ جداً.
أمسكت يارا يدَ ميرال وقبلتها وهي تبكي قائلة : كوني بخير لأجلي.
في حين طلبَ القائدُ من الرجال أن يحملوا ميرال ويأخذوها إلى سيارةِ الاسعاف .
بينما وقفت يارا ونظرت إلى سُمية المُلقاة أرضاً ، ثُمَ اقتربت منها وأمسكت بها بقوة وأدارتها نحوها فقد كانت واقعةً على بطنها ثُمَّ جلست فوقها وهي مُستلقية ، فنظُرُت سمية إليها خائفة وتتمتمُ بعباراتٍ مُتألمة تطلبُ فيها الرحمة.
لكن هذا لم يؤثر بيارا فأخرجت من جيبها مشرطاً  وأزالت عنهُ غطاءهُ ليظهر رأسهُ الحاد ثُمَّ أخذت تطعنُ سُمية في جهةِ قلبها بكُلِ ما تملكُ من قوة وهي تصرُخ : كم مرةً تريدون أن تقتلوني...كم مرةً تريدون أن تقتلوني.... يكفي...يكفي.
بقيت تطعنُها حتى امتلأ وجهها وثيابها بدمائها بينما كانَ علي وخالد وبعضُ الرجال المقاتلين ينظرونَ بدهشة إليها وإلى قسوةِ قلبها متعجبين من ما تفعله دون أن يعلمون أنها بقايا روحِ قد حنتها الحرب وكسرتها ألف مرة.
وقفت و توجهت نحوَ علي وخالد ونظرت إليهما نظراتٍ حادة تملؤها القسوة وقالت : من منكُما علي؟
أجابَ علي وهو خائفٌ منها بعد ما شاهدهُ : أنا؟
ثُمَّ صفعتهُ بقوةٍ قائلة : أنت شابٌ غبي ، لقد سمحتَ لفتاةٍ أن توقعَ بك.
فاقترب القائدُ منها ومسحَ على كتفها برفق قائلاً: هدئي من روعكِ ، إن ميرال بخير فإصابتُها سطحية وغير خطرة.
قدمَ أحدُ الشبان المقاتلين إلى القائد وقالَ لهُ : هناكَ مُسلحٌ يقولُ أنهُ من هذه القرية وأن المسلحين اختطفوه، هل ننقلهُ للعلاج أم نتخلص منه .
طلبَ القائد من الشاب أن يأخذهُ ليريهِ إياه وذهبت معهُ يارا مُسرعة ، وعندما وصلا نظرت يارا إلى شقيقها التوأم الذي كان قد كشفَ عن وجههِ و الدماءُ تملأُ ثيابهُ فدققت جيداً بملامحهِ التي قد أخفتها لحيتهُ الطويلة ، واقتربت منهُ  ثُمَ أعادت النظرَ إليهِ وهي لا تصدقُ بأنهُ جورج وبأنها هي من أطلقت النار عليه ، وكان جورج ينظُرُ لها وهو بالكادِ يستطيعُ فتحَ عينيهِ وقالَ بصوتٍ بالكادِ مسموع : يارا!! ...أُختي حبيبتي.
عانقتهُ وهيَ تحسُ أن قلبها قد انفطرَ حُزناً عليهِ وعلى ما فعلتهُ به و كأن روحها قد انتزعت منها وأخذت تبكي غارقةً في دموعها وهي تقول : سامحني يا أخي ، لم أكن أعرفُ أنكَ أنت ...سامحني...يا إلهي لا أصدق بأنك حي.
أبعدَ القائدُ يارا عن شقيقها وطلبَ من الرجال أن يتجهوا بهِ إلى المشفى على الفور.
بينما بقيت هي جالسةً على الأرض تبكي وتلومُ نفسها(يا إلهي ماذا فعلت!!!؟؟) ، اقتربَ علي  وخالد منها وساعداها على النهوض ثُم صعدوا جميعاً إلى سيارةَ قائدها تابعين سيارات الإسعاف نحو المشفى.
*****

أما راني فقد أعادوهُ المسلحين معهم رُغماً عنهُ إلى القرية بعد أن أخبروهُ أنَهم قد رأوا جورج مقتولاً في طريقهم للعودة حيثُ أن جورج قد تظاهر بالموت عندما مر المسلحين من جانبهِ وهم هاربين حيث كان قد كشف عن وجههِ حينها.
عادَ راني أدراجهُ حاملاً قلبهُ الحزين الذي يبكي فُراقَ صديق طفولتهِ الذي كان يُشعرهُ بقربهِ من يارا عندما يراهُ لأنهُ توأمها، يمسك روحهُ التي قد هرمت و أنهكها الحنين  والألم ، جلس في غرفتهِ التي كان يُقيمُ فيها مع جورج  وحيداً وأخذ يبكي حتى كادَ قلبهُ يتوقفُ من شدةِ البُكاء.

ثم أمسك بُندقيتهُ ووجهها نحوَ رأسهِ ليقتُلَ نفسهُ لكن صوت يارا الذي مر في باله قد منعه وهي تقول : ابقَ حياً مهما كلف الأمر.
فأخفضَ بُندقيتهُ وقالَ في نفسهِ : لقد تحملتُ كُل هذا لأجلكِ لعلي أعودُ يوماً لأرى عينيكِ الجميلتين وأحضن قلبكِ الذي أعلم أن الحزن قد أدماه.
*****
وصلت سيارات الإسعاف وأُدخلَ جورج وميرال فوراً إلى غُرفةِ العمليات، بينما جلست يارا مُحطمةً تدعو الله لعلهُ يُنقذُ شقيقها التي كانت ستموتُ من حزنها وألمِ ذنبها الذي ارتكبتهُ لو فارق الحياة ، لقد عاد من الرماد حياً إليها فكيف ستتحمل فراقه لو حصل له مكروه ، كانت تأمل أن يكون راني حياً  مثله حتى لو بقي بعيداً عنها لكن يكفيها أن تستنشق من هواء استنشقه هو قبلها عندما يدور الهواء في أنحاء الأرض فتشعر بقربه منها .

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن