خرجت إلى الصالة فوجدت ميرال لوحدها فسألتها قائلة : أينَ أمل؟
ميرال : إنها متعبة لقد دخلت لترتاحَ في غرفةِ جورج قليلاً.
ثم دخلت إلى المطبخ وحضرت الطعام و أدخلتهُ إلى الغُرفة حيثُ كانت أمل مُستلقيةً ،وطلبت منها أن تجلسَ لتناولِ الطعام ، فاستجابت لطلبها وجلست يارا بجوارها قالت لها: أتوسلُ إليكِ أريدُكِ أن تساعديني لرؤيةِ راني ، أرجوكِ.
أمل : كيفَ بإمكاني أن اساعدكِ!!!
يارا : أريدُ ثيابكِ وهويتكِ الشخصية أريدُ أن أذهبُ لقريتكِ وأراهُ ثُمًّ أعود سريعاً.
أمل : لكنَ هذا خطرٌ جداً عليكِ!
ردت يارا بصوت شجين متوسل قائلة: أرجوكِ إن راني مُتعبٌ وحزين .. إنه وحيد ...أرجوك .. أتوسلُ إليكِ سأكون ممتنةَ لكِ حتى الموت..أريد أن أخبره بأن جورج حي .
حزنت أمل على حالِ يارا وردت قائلة : حسناً سأساعدُكِ سأُخبركِ ببعضِ التفاصيل لتريهِ بأمان ، لكن عليكِ العودة سريعاً لأن جورج سيغضب مني إن علم .
عانقتها فرحاً ، وبدأت أمل تُخبرُها بماذا عليها أن تفعل وأينَ ستجدُ راني وعن اسمهِ المعروف بهِ هُناك .
*****
قبل أن ترتدي يارا ملابس أمل وتذهب توجهت إلى منزلِ أم راني وأخبرتها بما حدث وأنهُ مازالَ حياً وسيعودُ بإذن الله وأوصتها أن تعتني بنفسها لأجله.
غمرَ الفرحُ قلبَ الأم المسكينة وأخذت تعانق يارا وتقبلها شاكرة الله وتدعوهُ ليعيدهُ إليها سريعاً ، وبعد مغادرة يارا التي كانت في عجلة من أمرها ، دخلت إلى غُرفةِ ابنها وأخذت تُنظفها وتعيدُ ترتيبَ كُلَ شيءٍ فيها لتبثَ فيها الحياة من جديد.
*****
تهيأت يارا للمغادرة ومشت مُسرعةً نحوَ الشارعِ الرئيسي ووقفت تنتظرُ قدومَ وسيلةِ نقلٍ تأخذُها إلى هناك ، كانت مُتشوقةً إلى اللقاء ، تُراقبُ الطريقَ جيداً وقلبها يخفقُ بشدة من الفرح المختلط بالخوف.
توقفَت حافلةٌ قادمةٌ من المدينةِ إلى تلكَ القرية فصعدت إليها يارا وأعطت النقودَ إلى السائق وطلبت منهُ أن يُنزلها عندَ المكانِ الذي أخبرتها أمل عنهُ .
بقيت واقفة لعدمِ توفرِ مكانٍ لجلوسها ، أخذت تنظُرُ من النافذةِ التي بجانبها إلى الطرقات، وعندَ دخولهما حدودَ تلكَ القرية ارتبكت وتسارعت أنفاسها من الخوفِ والشوق ، كانت الشوارع شبه فارغة مُعظمُ من فيها هُم رجالٌ أشكالهُم كرجالِ الجاهلية وعددٌ كبيرٌ من المنازلُ والأبنية متآكلةٌ مُدمرة بعضها ثقبت جدرانهُ الرصاصاتِ حتى أصبحَ بالكادِ يقوى على الوقوف.
وقفَ الباصُ عندَ حاجزٍ مُنشَئ من قبلِ بضعةِ رجالٍ مُسلحين لا يظهرُ منهم سوى أعينهم وعلى جانبهم امرأة تُغطي وجهها بالكامل بغطاءٍ أسودٍ شفاف.
طلبَ أحد الرجال من الرُكابِ أن ينزلوا ليقومَ بالتفتيش ،نزلَ الرُكابُ ودخلَ الرجُل وأخذَ يفتشُ حقائبَ الرُكابِ وينظرُ تحتَ المقاعد ، أما في الخارج فكانَ رجلٌ آخر يفتشُ الرجال حيثُ كانَ يمررُ يديهِ على جسدهم ليتحسس فيما إذا كانوا يُخبئونَ معهم شيئاً من الممكن أن يخلَ بنظامِ قريتهم ويرى بطاقاتهم الشخصية ، أما المرأة فكانت تفتشُ النساءَ بنفسِ الطريقة وترى ماذا يوجدُ داخل حقائبهم اليدوية.
تنهدت يارا عندما انتهى التفتيشُ و صعد الركابُ مجدداً ليكملوا طريقهم وارتاح قلبها قليلاً، ثُمَّ أكملَت الحافلة طريقها كانت تنظرُ إلى السائقِ بينَ الحينِ والآخر منتظرةً أن يقولَ لها أنها قد وصلت إلى مكانها المقصود.
وعندما أخبرهُ أنه قد أوصلها إلى الشارع المطلوب ، تشكرتهُ ثُمَّ نزلت و مشت في الشارعِ حتى رأت الدُكان المُغلق الذي كان اسمهُ المحبة والذي كانَ بجوارهِ بناءٌ مهدوم حيثُ كانَ منزلُ أمل يقعُ مقابلهُ ولونُ بابهِ أبيضُ اللون فأخرجت مفاتيح المنزل من الحقيبة ويدها ترتجف خوفاً وقامت بالمُسارعة بفتحِ البابِ عندما رأت أحدُ الرجالِ المُسلحين واقفاً يتحدثُ على الهاتفِ النقال حيثُ كان لا يبعدُ عنها سوى بضعةِ أمتار وينظر إليها.
كان طريقاً فرعياً لا يوجدُ فيهِ سوى منزل أمل مازالَ مسكوناً، فدخلت بسرعة وأغلقت الباب جيداً خلفها وقلبها تكادُ نبضاتهُ تنقطعُ خوفاً .
نظرت للمنزل من الداخل الذي كان عبارةً عن صالةٍ كبيرة و غُرفةٍ فدخلت إلى الغُرفة وفتحت دُرجَ الخزانةِ وأخرجت ورقةً من حيثُ أرشدتها أمل وكتبت عليها محاولة تغيير خطها الذي يتقن راني معرفته جيداً <<اتبعني إلى منزلي دون أن يراكَ أحد سأترُكُ لك الباب الخارجي مفتوح "أمل" >>
ثُمَّ وضعتها في جيبِ الجلباب ونظرت من نافذةِ الغُرفة مُنتظرةً حتى يذهب الرجُل الذي كان يتكلمُ على هاتفهِ .
*****
عندما ذهب خرجت ماشيةً لآخرِ الشارع وهيَ تتذكرُ شرحَ أمل للطريقِ إلى غُرفةِ راني وهيَ ترتجفُ من الخوفِ والارتباك كانت تسمع دقات قلبها في أذنيها كلما اقتربت يصبح الصوت أقوى، مشت يمينا حيثُ كانَ يوجدُ منزلٌ كبيرٌ عليهِ العلم الخاص بالفصائل المُسلحة علمت يارا أنهُ منزلُ القيادة حيثُ يوجدُ مجلسُ القائد وكانَ بالقُربِ من بابهِ عددٌ وفيرٌ من المُسلحين وبجوارهِ المحكمة الشرعية وقبلهما بحوالي ثلاثين متراً توجدُ غُرفةٌ صغيرةٌ بابُها أسودُ اللون وعلى الباب علمُ هذه الفصائل أيضاً فاقتربت باتجاهِ الغُرفة و أخذت تمشي جانباً كي لا تلفتَ الأنظار مُترددة وهي تمشي خطوةً للأمام ثُمَ تلتفتُ لتعودَ أدراجها من الخوف لكنَ شوقها لهُ جعلها عازمةً على رؤيتهِ فأكملت طريقها وهي تقولُ في نفسها : أرجوكِ يا عذراء احمينا ... الرأفة يا يسوع .
طرقت باب الغُرفة وهيَ تأملُ أن يفتحَ لها راني الباب و أن لا يكونَ معهُ رجلٌ آخر .
فتح هو لها و هو منهكٌ متوهنٌ من الحُزنِ وقلةِ النوم شكلهٌ تماماً كباقي المُسلحين، نظرت إليهِ متفاجئةً من هيئته فهيَ بالكادِ استطاعت معرفتهُ وقلبها يتراقصُ فرحا فلو استطاعت لحضنتهُ أمامهم جميعاً، نظرَ إليها باستغرابٍ قائلاً : أمل!!!! لماذا لم تغادري بعد ، اذهبي قبلَ أن يراكِ أحد.
أخرجت الورقةَ من جيبها وأعطتهُ إياها ثُمَ عادت أدراجها مُسرعة، لم يستطع راني أن يُميزَ أن هذهِ ليست أمل فكانت يارا تمتلكُ جسداً مشابها لجسدها من حيثُ الطولِ والعرض وكانَ النقاب الذي ترتديه بالكادِ يُظهرُ عينيها ، استغربَ من تصرُفها ووضعَ الورقة بجيبهِ بسرعة بعد أن رأى أحدِ الرجال المُسلحين قادماً نحوهُ.
وقفَ الرجُلُ المُسلح بالقُربِ من راني قائلاً: من هذه المرأة يا أخي؟
ردَ راني مُرتبكاً : إنها زوجةُ أحدِ أصدقائي الذين استشهدوا البارحة.
الرجُل : رحمهم الله ...وماذا تريد؟
راني : لقد أعادت لي نقوداً كانَ زوجها قد تدينها مني.
الرجل : حسناً كُن قوياً أنت رجلٌ مؤمن ما هذه الحال التي أنت فيها!.
راني: بارك الله فيكَ ، لا تقلق فأنا بخير.
ثم دخلَ إلى غُرفته وأغلقَ الباب و أخرجَ الورقةَ من جيبهِ وقرأَ مضمونها .
ثم خَرَجَ وهوَ غاضبٌ لأن أمل لم تُغادر ،كان يمشي ويترقبُ المكانَ حولهُ متخوفاً من أن يتبعهُ أحد ويظُنَ بهِ وبأمل ظنٌ سيء.
*****
وصلت يارا إلى المنزل و أغلقت الباب خلفها بإحكام ثُمَّ دخلت إلى الغُرفة ورفعت نقابها عن وجهها وجلست على السريرِ بالقُربِ من النافذة وأخذت تترقبُ قدومهُ كي تفتحَ لهُ الباب عندما يأتي.
عندما رأته قادم ركضت مُسرعةً وفتحت الباب ووقفت خلفَ البابِ تنتظرهُ ، فتحَ هو الباب ودخل فقالت هيَ من خلفهِ بصوتٍ ملهوفٍ : راني حبيبي.
فالتفتَ هوَ ونظرَ إليها مذهولاً لما يرى ، فاقتربت منهُ وعانقتهُ بقوةٍ وهي تقول : الحمدُ للرب أنكَ معي ، أنا لا أصدقُ هذا.
أبعدَ راني يارا عنهُ بقوة ونظرَ إليها مُتمعناً ورفعَ كفي يديه وأخذَ يمسحُ على خديها وعينيها ، وهيَ تنظُرُ إليهِ واضعةً كفي يديها على عُنقهِ ، تساقطت دموعُ الفرحِ من عينيه وضمها إليهِ بقوةٍ وكأنهُ كان يخشى أن يأخذها أحدٌ من بينِ ذراعيهِ قبلَ أن يروي بعضاً من ظمئ شوقهِ إليها.
وبعد عناقٍ حميمٍ دامَ طويلاً ، مسكت هيَ بيدهِ وأدخلتهُ ليجلسا بالداخل وهو يظنُ نفسهُ يحلمُ دون أن يرغب بالاستيقاظِ من هذا الحُلمِ الجميل.
جلسَ على الأريكة وجلست على كُرسيٍ أمامهُ وكانت عينيها لا تبارحُ النظرَ إليه ، فأمسكَ بيديها قائلاً : لماذا جئتِ إلى هُنا؟ لو حصلَ لكِ مكروهٌ بسببي سأقتلُ نفسي.
لم تُجب يارا وبقيت تنظُرُ إليهِ وقالَ لها : لماذا يداكِ ترتجفان!!
ابتسمت يارا قائلة : من شدةِ الخوف بالكادِ تماسكتُ نفسي حتى وصلتُ إلى هُنا.
قبّلَ راني يديها ونظرَ إليها بحسرة قائلاً : إن هذا لن يتكررَ ثانيةً أرجوكِ، من أجلي .
ضحكت يارا وقالت : أهلاً بأبي مسلم ، لن يتكررَ هذا مُجدداً أعدُكَ يا أحمد.
ضحكَ راني ووضعَ يدهُ على الغطاءِ الذي يُغطي شعرها وهو يمازحها قائلاً : إن هذا اللباس يُعجبني عليكِ عندما أعودُ للقرية سأجعلُكِ ترتدينهُ.
ثُمَ أنزلَ الغطاءِ كاشفاً عن شعرها ليجدهُ قصيراً ليس كما عهدهُ سابقاً فقالَ لها مُستغربا : لماذا قصصته!!!...ألا تعلمين كم أحبه طويلاً .
أخفضت رأسها حُزناً وردت قائلة : لم يعُد يلزمُني بعدَ أن سمعتُ خبرَ استشهادك.
رفعَ راني رأسها بيدهِ واقتربَ منها وقبلها على خديها قبلتين رقيقتين ثُمَّ قال : هكذا جميلٌ أيضاً أنتِ جميلةٌ في جميعِ الحالات.
*****
خرجت ميرال من غُرفتها إلى الصالة حيثُ كانت أمل جالسةً فسألتها : أين يارا؟؟.
ردت أمل بارتباك : لم تخبرني أين ذهبت... هلًا اتصلت بوالدتك لنطمئن عن حال جورج؟.
ميرال : حسناً، ناوليني هاتفي النقال إنه على الطاولة التي بجوارك.
أعطتها أمل الهاتف و هي تهمس ( آمل أن يكون حاله أصبح أفضل)، اتصلت ميرال بوالدتها التي كانت لا تزال جالسة بجوار ابنها تترقب تحسن حاله وأخبرتها بعدم تغير حالته بعد.
أنت تقرأ
ابق حياً مهما كلف الأمر
Romanceكانت ليلة مدججةً بالدماء كنتُ على وشك أن أقتل نفسي لكن خشيتُ أن أُعذب بشكلٍ يجعلنني أطلبُ الموت ولا أجده لكنني تذكرت (ابقَ حياً مهما كلف الأمر)كلماتكِ لم تغادرني. ارتديتُ ثوباً لم يكن لي يوماً تخليتُ عن كل شيء على أمل أن أعود . تُرى هل سأموت دون أن...