كان راني مستلقياً في سريره يفكر في أموره التي تؤول للتعقيد أكثر يوماً بعد يوم، ث قالَ في نفسهِ حزيناً: أنا عالقٌ هُنا و ربما لن أخرجَ أبداً ، لقد تحطمت حياتي ومستقبلي لقد أصبحتُ سببَ حزنٍ وتعاسةٍ من أحببت ، كم ستحزن يارا إن فُرضَ علي التزوجُ من أُخرى ، لا أظن أنني قد أتمكن من أن أتعايش مع هذا ا، إنها الحلم الذي كبر في قلبي ، لطالما صحوت و غفوت و أنا أتخيلها مستلقية بجواري ، يا إلهي كم سأشعر بالخيبة إن وجدت غيرها بالمكان الذي كنت أسعى لأن تكون هي فيه ، سأموت متحسراً لو أصبحت لغيري بعد أن كبرت معي وبين يدي، امنحني الصبر يا يسوع فلقبي لم يعد يحتمل.
*****
حلَّ المساءُ لطيفاً ،ميرال تُحدثُ خالد عبرَ هاتفها النقال سعيدةٌ لاهتمامهِ بها ، أمل جالسةٌ مع جورج في غُرفتهِ تناولهُ الطعامَ بيدها وتشربهُ العصير ، يارا ووالدتها تجلسانِ في الصالة تتابعانِ أحد قنواتِ الأخبارِ التي لم يعد فيها سوى الحديثِ عن القتلِ والخطفِ والانقساماتِ والتفجيراتِ والهجرة ، أمسكت يارا هاتفها للاتصال براني لكن الشبكة كانت غير متاحة فتنهدت بعمق ، نظرت إليها والدتها : ما بكِ يا روح والدتك.
طبعت قبلة على جبين والدتها ثم قالت : لا شيء أمي ، سأخلد للنوم تصبحي على خير.
الأم : و أنت بخير ، غطي نفسك جيداً الجو يصبح بارداً عند الفجر.
يارا: أمرك يا غاليتي.
*****
جمعَ قائدُ المجموعاتِ المُسلحة رجالهُ ليلاً أمامَ القيادة ، وأخذَ يقرأُ لهم أسماءَ الرجالِ الذي يريدُ أن يرسلهم لمحافظةِ حماة لمؤازرة المسلحين المتواجدين في إحدى قراها، صدرَ اسمُ راني من بينِ الأسماءِ وعندَ انتهاءِ الاجتماع تبع القائد متحدثاً إله وقلبهُ يتمزقُ فَكُلَ شيءٍ يبعدهُ عن قريتهِ وأهلهِ أكثرَ فأكثر: أرجوكَ يا سيدي أبقني هنا فأنا مُرتاحٌ هكذا في ظلِ قيادتكَ الحكيمة.
القائد : لا تقلق يا بني ربما ينتظرك شرفَ الشهادة هناك وإن لم تنل هذا الشرف فسوفَ يعاملكَ
صديقي المسؤول هناك افضلَ من معاملتي.
راني : لكن....
لم يترك القائد راني يكمل كلامهُ فقالَ لهُ : من دونِ لكن ، لا تقلق.. سأوصي بكَ صديقي جيداً والآن اذهب.
ذهبَ راني و الدموعُ تكادُ تتساقطُ من عينيه ، وعادَ إلى غُرفتهِ مُغلقاً البابَ خلفهُ بإحكام وأخذَ يحاولُ الاتصال بيارا مراراً وتكراراً.
*****
حلَّ منتصف الليل ويارا لا تزال مستيقظة تحاول الاتصال براني وعندما أصبحت الساعة الثانية عشر أخذت ترسل له بالرسائل لمعايدته بمناسبة مرور سنة على خطوبتهما كتبت فيها:
<< فشلت كل أيام العمر على أن تبوح بحجم حبي لك .. فما بالك بيوم علي فيه أن أكتفي بالإفصاح عن حبي وقد أخفقت كل لحظات اللقاء أن تصف اندماج روحي بك...... كل عام و أنت حبيبي ...كل عام ونحن معاً حتى نهاية الكون...أحبك>>.
<<بدأت بكَ و بكَ سأنتهي، من حافة الحب هويت إلى قاع عشق أعمق لأغوص في تفاصيلك و أهوى حتى أسوأها لأنساب مع كل التناقضات و أتناغم حتى مع ما يؤلمني منها فيتيمني حبك المنكه بالعذاب و يجذب كل حواسي المغرمة بك إليك>>.
<<لست في حياتي حدثاً عادياً تبقى أنت مدينة الفرح التي ألتجئ إليها عندما يطاردني حزني ، تبقى ذاك الصوت الانسيابي الذي يسرقني مِن مَن حولي ، لست رجلاً من كلمات بل رجلاً من أفعال فإن براهينك تسبق الفرضيات دوماً ، لست سائلاً رخواً يحتويه أي إناء إن الإناء هو من يحاول التلاؤم ليناسبك فمشاعرك ثمينة لا تمنح إلا لمن يستحقها>>.
ثم خلدت للنوم وهي تأمل أن تستيقظ على صوت رسالة منه أو مكالمة هاتفية.
*****
استلقى راني على سريره يحتضن ربطة العنق الحريرة التي كانت تضعها حبيبته آخر مرة بعد أن تعب من محاولة الاتصال الفاشلة بها ، أيقظ عينيه اللتان كانتا توشكان على الإغلاق من النعاس الضوء الذي انبعث من شاشة هاتفه النقال عندما وصلته رسالة يارا وعلم حينها أن شبكة الاتصال قد تحسنت و يمكنه الاتصال بها الآن ، أخذ يقرأ رسالتها وتكاد عيناه تحتضران من الدموع ، ثم اتصل بها محاولاً تماسك نفسه لتجعله الظروف يحكم مرغماً بإعدام قلبه و تعاستها.
استيقظت على صوتِ رنينِ هاتفها ، وعندما رأت أن المتصل راني نهضت جالسةً وردت بلهفة قبل أن يلقي عليها التحية : راني حبيبي، اشتقتُ إليك.
ردَ وهو يحاولُ أن يكونَ قاسياً ليساعدها على نسيانهِ و يجعلها تتابعُ السعيِ وراءَ مُستقبلها : يارا...أنا لم أعد أريدك....انسيني ....لا تنتظريني بعد الآن.
انقبضَ قلبُ يارا من كلامِه : ما هذا المزاح!!!! إنه لا يعجبني.
راني : لن أستطيع الخروج من هنا...تابعي حياتك كأنني لم أكن فيها.
ردت بصوت مغصوص: سأنتظرك مهما طالَ غيابُك...لا أستطيع الاستمرار من دونك..أنت كل شيء.
كانت كلماتها تكسرروحه لكنه بقي يتظاهر بالقوة لأجل أن يحررها منه : لكنني أستطيع و سأكملها لذا لا تأسريني أكثر من ذلك....فهمتِ لم أعد أرغب بكِ لتكوني زوجتي.. وسأتزوج من أخرى.
غرقت عيني يارا بالدموع قائلة : هل أنت جاد في هذا؟؟؟أم تمازحني؟؟؟ أنا متأكدة بأنك تمزح ...لاتمزح معي بهذه الطريقة أرجوك.
غصَ قلبُه حين حاول أن يسكت صوته الذي يناجيها : أنا جاد... لا تتصلي بي مرة أخرى...هل فهمت؟؟؟ لا تتصلي.
أنهى المكالمة بعد أن سمع أنين بكاءها و التمس قلبه حزنها خاشياً أن يخشع قلبه لكل تلك الرقة ، كان دوماً يكن بالكراهية اتجاه أي شيء يعكر صفوها و يحزنها و الآن أصبح يكن بها لنفسه ولكل تلك الظروف التي أجبرته على أن يتظاهر بهذه القسوة ، وضع يده على عينيه و بكى كما لم يبكِ رجل على امرأة من قبل .
أما هي فآهات بكاءها كانت مسموعة في أرجاءِ الغرفةِ و دموعها تنهمرُ بغزارة حتى كادت أن تُغرق وسادتها اصبح حبها له بالنسبة لها حباً جمع كل خيبات العمر و أودى بتوقعات متأملة إلى الهلاك، أصبح إعصاراً و ثورة استنزفت فيها كل مشاعرها خلفتها كأرض جرداء أصابها القحط ، لم يسقها بل زادها ظمأً ، جاءها كما يسرق الحلم عقل نائم و سلب منها خصابة قلبها ومضى وهي في غفلة تطيل النظر في عينيه .
أمسكت هاتفها من جديد و أخذت ترسل له برسائل كتبت فيها:
<< كم هو قاسٍ أن أقول لك أحبك فتجيبني بلا أريدك>>.
<< يا إلهي كم هذا مؤلم بقدر حبي لك جاءت قوة صفعة الخيبة>>.
<< أحببتك كوطن نبذتني كغربة ، ماذا أفعل بعد أن شردتني و رامياً بي خارج حدود قلبك، أين أذهب بنفسي و أين الطريق>>
<<أكرهك... لكن بقدر ما أكرهك أحبك أكثر و أكثر و أكثر... أرجوك أعد النظر في الموضوع>>.
قرأ راني الرسائل و أجابها<< انتهينا امضي في طريقك ابحثي عن مستقبل أفضل>> ، أمسك الشريحة الهاتفية و كسرها بعد أن حطم الهاتف النقال وهو يدهسه بقدمه ثم أخذ يلكم الحائط بيديه لعل هذا الألم الخارجي يهون احتراقه من الداخل وعيناه تذرفان الدموع حتى سالت الدماء منهما فمن يسكت ذاك الجرح الملتهب ليلاً مناجياً لأشخاص انقطع أملنا من وصالهم و اخترنا بإرادتنا بعدنا عنهم لكن قلبنا لم يوافقنا فنزف فيه جرح عميق يدعى الحنين وكانت دماؤه من ذكريات و وعود.
أنت تقرأ
ابق حياً مهما كلف الأمر
Romanceكانت ليلة مدججةً بالدماء كنتُ على وشك أن أقتل نفسي لكن خشيتُ أن أُعذب بشكلٍ يجعلنني أطلبُ الموت ولا أجده لكنني تذكرت (ابقَ حياً مهما كلف الأمر)كلماتكِ لم تغادرني. ارتديتُ ثوباً لم يكن لي يوماً تخليتُ عن كل شيء على أمل أن أعود . تُرى هل سأموت دون أن...