زواج قصري

16 2 0
                                    

كانت ميرال تدرسُ في مدرسةٍ تقعُ على أطرافِ القرية وكانت سُمية زوجةُ الشاب مهند  صديقتها وكانت تقيمُ في قريتها المُجاورة لقريةِ ميرال والتي يسيطرُ عليها المُسلحين، لكن ميرال لم تكن تعلمُ أن سمية كانت متزوجة من أحدِ المسلحين وأن لها علاقةً بهم.
طلبت سمية من ميرال أن تسمحَ لها بأن تقيمَ معها في منزلها في فترةِ الامتحانات النصفية لأنها لن تستطيعَ أن تدرس في أجواءِ قريتها الفوضوية والغير مستقرة مترجيةً موافقتها.
فطلبت ميرال منها أن تُمهلها بعض الوقت ريثما تأخذُ رأي والدتها وشقيقتها دون أن تعلم ان هذه هي الخطوة الأولى لسمية للانتقام.
وبعد انتهاء الدوام المدرسي عادت ميرال إلى المنزل وجلست تتناولُ وجبةَ الغذاء مع والدتها و ويارا ، وعند انتهائها  نظرت إلى والدتها وسارة مُرتبكة وقالت : هل يُمكنُ لصديقتي سمية أن تقيمَ معي هنا عند بدء الامتحانات الفصلية.
نظرت يارا إلى شقيقتها بغضب والحقدُ يشعُ من عينيها ثُم قالت : سمية؟ التي تنتمي إلى تلك القرية المليئة بالخونة.
ردت ميرال حزينة : هي ليس لها ذنبٌ بهذا ، أرجوكِ أختي لا ترفضي.
نظرت الأمُ إلى ميرال وقالت: حسناً حبيبتي أحضريها.
ثُمَّ وضعت يدها فوق يدِ يارا ماسحةً بلطفٍ عليها : لا تكوني قاسية يا صغيرتي.
يارا: حسناً كما تريدان لكن إياها أن تُزعجني بشيء فسأقتُلها.
فرحت ميرال بموافقةِ والدتها ويارا فذهبت مُسرعةً إلى غُرفتها وأرسلت رسالة من هاتفها النقال إلى سمية لتخبرها بموافقةِ أهلها على أن تأتِ لتقيم معها عند بدء الامتحانات.
****
تلقت سمية الرسالة بعد ساعات بسبب ضعفِ خدمةِ شبكةِ الاتصال في قريتها ثُمَ ذهبت إلى القائد لتخبرهُ بهذا وتتفق معهُ على بعضِ الأمور.
كانَ راني و جورج يقفان على بابِ مقر القائد للحراسة ، وعندما أنهى القائد حديثهُ مع سمية طلبَ منهُما الدُخول ليُحدثُهما بأحدِ الأمور وأمرَ رجلين بالوقوفِ مكانهما.
كانَ شكلُ جورج وراني قد تغيرَ فقد كانا يرتديانِ ثياباً سوداء كباقي الرجال ولحاهُم طويلةٌ ووجوههم شاحبةٌ من الهمِ والحزن.
وعندما دخلا إلى مجلسِ القائد جلسا أمامهُ فنظرَ اُ إلى جورج قائلاً: يا محمد أنت شابٌ ذو خُلقٍ عظيم ، ولم أشهد انحرافاً في سلوكك أنت وأحمد مُنذُ قدومكما إلينا.
نظرَ جورج وراني إلى بعضهما مرتبكين مُتخوفين لما سيطلبهُ القائدُ منهُما، فأكملَ القائدُ قائلا: لذا نحنُ نعتبركُما قد اصبحتُما منا من الآن وصاعداً وعلينا تزويجكما من فتياتنا واسكانكما في بيوتنا لتكملا نصف دينكما.
ردَ راني مُرتبكاً : لكنني مُتزوج ولا أُريدُ الزواجَ من أُخرى.
غضب القائد قائلا : يحقُ للرجل أن يتزوجَ أربعَ زوجات وإن هذا فيهِ خيرٌ وحسناتٌ لهُ ولهن خصوصا إذا كانت زوجاتهُ هُنَ أراملٌ لشهداءٍ عُظماء عندها سيتضاعفُ أجرهُ وثوابهُ عند الله.
صمت كُل من جورج وراني ثُمَّ ردَ جورج خوفاً منهُ بأن يؤذيهُم : أمرُكَ سيدي أنا وأحمد سنفعلُ ما شئت.
لم يدرِ راني ماذا يقول فنكّسَ رأسهُ قائلاً : أمرُك سيدي.
ابتسمَ القائدُ قائلاً: بارك اللهُ فيكما، إن عقدَ قرانِ محمد سيكون الليلة وسيسكنُ مع زوجتهِ في منزلِ زوجها الشهيد أبو قتادة رحمهُ الله ، أما أنتَ يا أحمد سنأجلُ لكَ قرانك ريثما تعودُ الفتاةُ التي سنزوجها لكَ من مُهمتها والتي هيَ أيضاً زوجةٌ شهيدٍ عظيم .
وبعد أن أنهى القائد حديثهُ خرجَا وجلسا في غُرفتهما الصغيرة المجاورة لمجلس القائد والمحكمة الشرعية
فقالَ راني بصوتٍ خافت وهو غاضب : ما هذا الذُل إني أتحملُ كُل هذا لأعودَ إلى يارا ووالدتي والآن يريدون أن يزوجونني غيرها وربما أموتُ ذليلاً قبلَ رؤيتها.
ردَ جورج حزيناً: وماذا اقولُ أنا الذي سيعقدُ قراني الليلة ، ليتنا متنا قبل هذا.

****
في المساء عُقدَ قرانُ جورج على أرملةِ أحدِ المسلحين المدعوة أمل ، وقامَ أحدُ رجالِ القائد بإرشادهِ إلى منزِلها لأنها أصبحت زوجتهُ وهو لا يعرفُ شكلها حتى.
طرقَ الرجلُ باب المنزل فنادت هي من خلفِ الباب : من الطارق؟.
الرجُل: لقد عقدَ القائدُ قرانكِ الليلة ولقد أحضرتُ لكِ زوجكِ.
فتحت أمل الباب قليلاً وهيَ تقفُ خلفهُ وقالت بصوتٍ يغصُ بالبكاء : ادخل.
دخلَ جورج و أغلقَ الباب خلفهُ ثُمّ نظرَ إليها وهي واقفةٌ أمامهُ خائفةٌ تكادُ الدموعُ تسقُطُ من عينيها، لقد كانت فتاةً جميلةً في التاسعة عشرة من العُمر.
نظرَ جورج إليها قائلاً : لماذا أنتِ خائفةٌ وحزينةٌ هكذا؟
أمل وهي توشكُ على البكاء : أمرني بما تريد وسأفعل.
استغربَ جورج من تصرفاتِ أمل التي بدت كأنها مجبورةٌ على هذا القران وقال : أنا لا أريدُ منكِ شيئاً ولن أؤذيكِ لقد جئتُ إلى هُنا بأمرٍ من القائد وسأجلسُ قليلاً حتى لا يتعجب من عودتي المسرعة ثُمَّ أرحل.
مسحت أمل الدموعَ التي تساقطت من عينيها واطمأنَ قلبُها من كلامِ جورج وكأن عبئاً ثقيلاً قد ازيلَ من فوقِ قلبها فطلبت منه الدخولَ إلى الصالة ريثما تعدُ العصير.
جلسَ جورج على الأريكة الموجودة في الصالة ، بينما أحضرت  العصير وقدمت لهُ كأساً وهيَ تنظُرُ إليهِ وإلى الحزنِ الواضحِ في عينيه، ثُمَّ جلست أمامهُ على الأريكة المقابلة لهُ وقالت بصوتٍ خافتٍ مُتعب : لماذا أنت مُختلف عنهُم.
جورج : أنا لستُ مُختلف، ولماذا أنتِ خائفة و كأنكِ مجبورةٌ على عقدِ هذا القران.
أجابت أمل والذعرُ يملأُ قلبها: سأفعلُ ما تريد لكن أرجوكَ لا تخبر للقائد.
جورج : يمكنكِ أن تُحدثيني دون خوف فأنا أعدُكِ أن لا أخبرَ القائدَ عن شيء.
ردت أمل حزينةً  : لقد زوجني والدي من أبي قتادة رغماً عني فقد أقنعهُ القائد أن هذا عملُ خيرٍ لهُ و لي لأنني سأكونُ زوجةَ مجاهدٍ وسيأخذُني معه للجنة عند استشهاده.
ثُمَّ أخذت تبكي فجلسَ جورج بجوارها و أخرجَ  منديلاً من جيبهِ وأعطاهُ لها لتمسحَ دموعها.
استغربت أمل لُطفَ جورج و قالت لهُ : أنتَ حقاً لطيف، كيفَ بوسعكَ أن تكونَ معهُم و أنتَ لطيفٌ هكذا فهم لا يعرفون الرحمة.
ضحكَ جورج ببؤس قائلاً : وأنتِ لستِ معهم؟.
أمل : في الحقيقة أكرههم لكن إياكَ أن تُخبر أحداً أرجوك.
وقفَ جورج مُستعداً للذهاب فأمسكتهُ أمل من ذراعهِ قائلة : يُمكنُكَ أن تبقَ، فأنتَ لم تخبرني شيئاً عنك .
جورج : اسمي محمد ويلقبني القائد بأبي عُمر وعمري عشرين عاماً، وأنا لا أريدُ منكِ شيئاً وإذا احتجتِ لأيِ شيء فأنا أقطُنُ في الغُرفة بجوارِ القيادة مع صديقي.
ثم خرجَ من المنزل و أمل تنظُرُ إليهِ وهي شديدةُ الإعجابِ به وبمعاملتهِ الحسنة.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن