امرأة محطمة

4 2 0
                                    

كان علي لطيفاً مع يارا يحاولُ دوماً ممازحتها ورسم الابتسامةِ على وجهها الحزينِ الذي أذبلتهُ الأدوية والمُهدئات.
في أحدِ الأيام بينما يمشيانِ ليلاً بالقربِ من منزلِ عمتها أمسكَ يدها وقبلها فارتبكت هيَ وسحبتها بسُرعةَ فنظرَ إلى عينيها قائلاً : أريدُ أن أُخبركِ شيئاً لكن لا تصفعيني...اتفقنا.
ضحكت  و قد احمرت خجلاً قائلة : أعدُكَ.
علي : أنا أُحبُكِ .
تسارعت دقاتُ قلبِ يارا فهي لم تسمع هذه الكلمة منذُ مُدةٍ طويلة لم تعرف ماذا تُجيب ،تجنبت النظرَ إليه من شدةِ خجلها، فأكملَ  كلامهُ قائلاً : و أريدُكِ أن تكوني شريكةَ حياتي إن لم تمانعي، لا أريدُ سماعَ إجابتكِ الآن فكري كثيراً قبلَ الإجابة و بشأن موضوعِ اختلافِ الدينِ بيننا فأنا ليسَ لدي مُشكلة بشأنِه.
ردت يارا مُرتبكة : يجبُ أن أعودَ للمنزل الآن.
علي : هل غضبتِ مني؟.
يارا : لا .. لكن أريدُ العودة.
علي: حسناً سأوصلُكِ لكن أرجوكِ فكري بما قلتهُ جيداً.
يارا :أنا لا أستطيع أن أوافق.
علي : لماذا؟.
يارا :لو قلنا أن الموافقة متعلقة بموافقتي فقط .... أنت تعلم كل شيء عني.
علي:  أين الخطأ في كوني أعلم .
يارا : لقد كسر الحب قلبي لا أظنني قادرة على أن أمنحك ما تستحق من المشاعر.
علي : لا بأس ، سأحاول بناءه من جديد.
يارا : و إن فشلت؟؟؟؟.
علي : سأتحمل نتيجة فشلي إذاً.
*****
دخلت يارا إلى المنزل حيث كان العشاءَ جاهزاً ،
العمة : إننا ننتظرك لنأكل سويا ، لماذا لا تجيبين على اتصالاتي.
يارا : آسفة عمتي نسيت هاتفي النقال هنا  .
العمة : هيّا اجلسي حول المائدة.
يارا : سأبدل ملابسي أولاً.
جلست حول المائدة بعد أن بدلت ملابسها و غسلت يديها ووجهها شاردةُ الفكرِ هادئة كما يحدث للمرء أن يعج بالفوضى الروحية في ذاك القاع العميق من نفسه خلف تلك الابتسامات المصطنعة و الهدوء المسيطر حيث يكون في حالة الأنا و اللا أنا فمن جوف ازدحامه يكون هو السجين الذي يمزقه الانتظار ليرى ما بعد فوضاه تائقاً لحرية استقراره ومن ظاهره يكون اللا أنا الذي يرسم ضحكاته التي يتسلل الألم بينها متخفياً ليجعلها ستائراً يخفي بها ذاك القاع وصدىً يمتص ضجيجه ، ففكرها في كلامِ علي وقلبها مع راني، أخذت العمة تسألُها عن الشيء الذي يشغلها لكن يارا لم تُخبرُها بشيء اكتفت ترد بابتسامات لتريها بأنها على ما يرام.
عند الانتهاء أدخلت يارا الصغيرَ طوني إلى غُرفتهِ وأخذت تروي لهُ القصصَ حتى غفت عينيهِ، ثُمَّ أخذت تحاولُ النوم فهيَ تنامُ  يومياً في غرفةِ الصغيرِ على سريرهِ لكنها لم تستطع أخرجت هاتفها النقالَ من جيبها وحاولت الاتصالَ براني لكنَ الرقم كانَ في مرحلةِ الانقطاع علمت حينها أن المُشكلة لم تكن هيَ سوءُ شبكةِ الاتصال بل أن راني قد كسرَ شريحةَ هاتفهِ ، فهّمت بالبكاءِ، كانت ككانون بروحها المتجمدة و قلبها الضبابي الذي كان ضبابه يجعلها تتوه فلا تدري بأي درب تسير أهو درب النسيان أم درب العودة إليه؟
كيف كان لها أن تبتلع دموعها الحارة التي تحرق تحرق خديها و كأنها شعاع من شمس آب ؟ فلو ابتلعتها لأعدمت نفسها قهراً.
حاولت كثيراً أن تخفي ذبولها بضحكات بائسة لكنها لم تستطع فلا يمكن إخفاء ذبول الأزهار حين يحين الخريف.
*****

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن