حنين وانتقام

17 2 0
                                    

وفي المساء كانَ راني يجلسُ على سطحِ مبنى المحكمة الشرعية التابعة للمسلحين حيثُ كانت مركز الفتاوي وإصدار العقوبات بحق المخالفين للأوامر وكان ينظُرُ إلى قريتهِ التي يستطيعُ رؤية أنوارها ومنازلها في الأفق ويتمنا لو أن تلك الأنوار تجذبه لتعيده إليها لكن هروبهُ هو وجورج وعودتُهم كان أقرب للمستحيل لأن القرية التي هم فيها كُلُها تابعة للمجموعات المسلحة والحراسةُ فيها مشددة.
صعد جورج وجلسَ بجانبِ راني وتنهدَ بعمق قائلاً بصوتٍ خافت : ليتنا متنا في تلكَ الليلة ولم نأتِ إلى هُنا لنكون أمواتاً نتنفس.
نظرَ راني إليهِ والحزنُ يغمرُ قلبهُ وقال : ليتني استطيعُ العودةَ إلى قريتي ورؤية أحبتي قبل أن أموت بين هؤلاء القذرين.
عادَ بعضُ المُسلحين في سياراتهم يحملون معهم أعداداً من قتلاهُم وطلبَ أحد العناصر من راني وجورج المُساعدة في  نقل الجرحى إلى المشفى الميداني الذي كان بجوار المحكمة والاعتناء بهم حيثُ كان هذا المشفى هو في الأساس مدرسةً ابتدائية لكنهم أغلقوا أبوابها أمام طلابها لخدمةِ مصالحهم والاعتناء بجرحاهم.

بينَ الجرحى كانَ هناكَ شابٌ مصابٌ برصاصٍ في الصدر يلتقطُ أنفاسهُ الأخيرة في المشفى ، أتت زوجتهُ التي كانَ اسمُها سمية و كانت في السابعة عشر من العُمر وأخذت تبكي بجوارِ سريرهِ وهي تحتضنهُ قائلة: أرجوكَ لا تمُت فلم يعُد لي غيرُك بعد وفاةِ عائلتي....أرجوك يا مُهند استيقظ.
فارقَ مُهند الحياة وأخذت سُمية تبكي بحرقةٍ على فراقهِ متوعدةً بالانتقام بينما كان راني وجورج يشاهدان ما يحدُث ولا يعلمان هل عليهما الحُزن أم الفرح.
****
و في اليوم التالي علمت أم جورج من جارتها أم الياس التي كانت في زيارتها خبر انضمام يارا للجان المقاتلة الشعبية فدخلت مُسرعة إلى غُرفتها وشاهدت ابنتها تحتضنُ صور شقيقها و حُبُ طفولتها وتبكي ، مسحت يارا دموعها وتظاهرت بالقوة أمامَ والدتها ووضعت الصور تحتَ وسادتها.
فاقتربت الأم من ابنتها وقالت بحُزن : هل صحيحٌ أنكِ انضممتِ للجانِ المقاتلة في القرية؟
يارا : نعم .. أريدُ أن أثأرَ منهُم جميعاً.
ثم جلست الوالدة بالقربِ منها ومسحت على وجهها بلطف قائلة : أرجوكِ يا أمي لا تفعلي هذا تعلمين كم أحبُكِ لا أريدُ أن أخسركِ أنتِ أيضاً.
انهمرت الدموع من عيني الوالدة و كفكفت يارا دموع والدتها بيديها وهي تقول : إن لم أنتقم منهم سأموتُ قهراً وحسرة ، دعيني أفعل هذا أرجوكِ.
عانقت الأمُ ابنتها بقوة قائلة: إني أرى النورَ من عينيكِ ...إني أرى جورج من خلالكِ فأنت نصفه الآخر والروح التي كانت في أحشائي انقسمت بينكما عند الولادة .
انفجرت باكية: سأعتني بنفسي لا تقلقي... لكن لن أدعَ دمَ جورج و راني يذهب هباءً...أرجوك يا أمي فأنا لن أذهب إلى الجامعة ثانية و سأقتل نفسي إن بقيت بغرفتي أفكر فيما جرى...سأموت اختناقا بخيبتي  .
الام : اهدئي يا حبيبتي.. اهدئي...لا أريدك أن تعودي لشرب الأدوية النفسية..افعلي ما شئت لكن كفى بكاء..وعديني أن تبقي بخير لأجلي.
يارا: أعدك يا أمي ...أعدك.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن