الصراع

4 2 0
                                    

استيقظت رهام بعد أن أحست على أصواتٍ صادرةٍ من غُرفةِ الاستحمام ، نهضت لتجدَ راني وطفلتهما ليسا في الغُرفة لتبدأ مأساتها من هذه اللحظة.
خرجت لتجدَ طفلتها الصغيرةِ موضوعةً على الطاولة ، فاستغربت من هذا واقتربت منها و حملتها بينَ ذراعيها ثُمَّ أخذت تصرخُ وتبكي عندما وجدتها مُبللةً وهيَ فاقدةُ للحياة .
سمعَ راني صوتَ نحيبِ رهام فخرجَ نحوها و حضُنها محاولاً أن يُهدئها وهي تبكي بحرقةٍ قائلة : من سلبَ حياةَ طفلتي الصغيرة ؟
توجهت نحوَ غُرفةِ الاستحمامِ وهيَ تحملُ طفلتها بينَ ذراعيها لتجدَ يارا مرميةً على أرضها ووجهها تملأُهُ الدماء وشعرُها مبللٌ بالمياه، فنظرت إلى راني قائلةً بغضب وهي تصرخ : لقد قتلت تلكَ الفتاةُ طفلتي .... إنها لا تزالُ تتنفس لما لم تنهي حياتها بالكامل.
ركعت على ركبتيها وهي تضم طفلتها إلى صدرها ( يا الللللله .... يا اللللله ).
ردَّ راني حزيناً مُرتبكاً والدموعُ تترقرقُ في عينيهِ : سأنهي حياتها لاحقاً ، ادخلي الآن إلى المطبخ وأحضري لي الأدوات لأحفرَ قبراً للصغيرةِ في حديقةِ المنزل.
كانَ قلبُ رهام ينبضُ حقداً على يارا وحزناً لما حدث فقالت وهي تبكي و تأن : لن أفعلَ هذا.... في حديقة المنزل!!! ، سأخبرُ والدي ليفصلَ رأسَ هذهِ الفتاةِ عن جسدها أمام جميعِ أهلِ القرية .
صرخَ راني قائلاً : رهام ... افعلي ما قلتُ لكِ.
ردت رهام باكية : لن افعلَ هذا حتى آخُذَ ثمنِ حياةِ ابنتي من تلكَ الفتاة.
*****
دخلت رهام غُرفتها ووضعت طفلتها على السريرِ و الدموع تتساقط من عينيها  ، أخذت تبدلُ ملابسها لتذهبَ إلى والدها بينما كان راني لا يعلمُ ماذا يفعلُ لينقذَ حياةَ يارا فحُبهُ لها كانَ أقوى من كُلِ شيء لم يستطع حبه لابنته الذي دام لشهرين أن يلغي من قلبه حبها الذي قطن في قلبه منذ طفولته و سيستمر حتى  آخر رمقٍ له.
*****

خرجت رهام من غُرفتها والدموع تُغرقٌ خديها مُتجهةً نحوَ بابِ المنزلِ الخارجي فوقفَ راني في طريقها وقالَ لها بغضب : عودي إلى الداخل لن نخبرَ أحد.
نظرت رهام إليهِ مُستغربة وردت بصوتٍ مبحوح من كثرةِ البكاء : من هذهِ الفتاةُ يا أحمد التي تخليتَ عن روحِ ابنتنا لأجلها؟
ارتبكَ راني وقالَ : إنها مُجردُ أسيرة.
صرخت رهام قائلة : هذا ليسَ صحيحٌ بالنسبةِ لك.
دفعتهُ ٍ لتخرُجَ ، فأمسكها بقوةٍ وصفعها ثمَّ أدخلها إلى غُرفتهما ورماها على السريرِ وهيَ تكادُ تنهارُ أعصابها من الحُزنِ والصدمةِ ،خرجَ مُسرعاً إلى حديقةِ المنزلِ التي كانت بجوارِ الصالة أحضرَ منها بعض الحبالِ التي كانت مرميةً في أرضها وقامَ بتقييدِ يدي و قدميها بإحكامٍ ثمَّ ربطَ قطعةَ قماشٍ حولَ فمها كي تتوقفَ عن الصراخِ وطلبِ المساعدة ، حاولت رهام أن تبعدهُ عنها لتفرَ منهُ عندما جاءَ لتقييدها لكنها فشلت فهو أقوى منها و حالتُها المُحزنة لم تسمح لها بأن تقاومَ كثيراً.
*****
اتجهَ نحوَ غُرفةِ الاستحمامِ ،حملَ يارا التي لا تزالُ فاقدةً للوعيِ و وضعها مُستلقيةً في الغُرفةِ التي كانت موضوعةً فيها على إحدى الأرائكِ .
أحضرَ قطعةَ قُماشٍ وأخذَ يمسحُ الدمَ السائلَ على وجهها ، ثُمَّ أحضرَ عُلبةً من الكحولِ وفتحها وقربها من أنفها كي تشُمَّ رائحتها وتستيقظ .
فتحت عينيها ببطء ثُمَّ وضعت يدها على جبينها  فقد كانَ يؤلمُها  ، أخذ يُضمدُ لها جُرحها دونَ أن يُكلمها أو حتى ينظُرَ في عينيها  من شدةِ حُزنهِ منها أما هيَ فبقيت تنظُر إليهِ وهو يضمدُ الجُرحَ بصمت دون أن تعي قبح ما ارتكبت يداها كأن كثرة الألم الذي مرت به قد جعلها لا تشعر بشيء.
عندما انتهى أخذَ يحفرُ في حديقةِ منزلهِ قبراً لطفلتهِ الصغيرة وقبل دفنها نظرَ إليها وهو يُمسكها بين ذراعيهِ و تساقطت دموعهُ على وجهها الصغير ، وضعها فيهِ و روحه تتقطع بينما كانت يارا نائمةً في غُرفتها و صوتُ أنينِ بكاءِ رهام يملأُ المنزل .
*****

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن