خبر حزين

8 2 0
                                    

اتصلت أم جورج بيارا لتخبرها أن ميرال لم تأتِ للمنزل بعد فارتبكت وأجابتها أن ميرال معها وأنهما بخير وستعودان في المساءِ.
حلَ المساءُ واستيقظت ميرال من أثرِ تخديرِ العملية التي أُجريت لها في الكتف لاستئصال الرصاصة ، بينما دخل جورج في غيبوبةٍ دون أن يتحدد مصيرُهُ فقد أخبرَ الأطباء يارا أن أمرهُ بيدِ الله.
استأذنت الطبيب من أجلِ إعادةِ ميرال للمنزل لكي لا تقلقَ والدتُها عليها أكثرَ من ذلك ووافقَ مقدماً إليها بعضَ الإرشاداتِ والنصائح.
*****
أوصل القائد ميرال ويارا إلى منزلهما بعد أن أحضرت يارا معها علي وخالد إلى المنزل بسبب تأخر الوقت وخطورة الطريق نحو المدينة ليلاً.
عندما دخلوا إلى المنزل ، دُهشت الوالدة عندَ مشاهدتها للشابين الغريبين ونظرت إلى كتفِ ميرال المُضمد بالشاشِ الأبيض والتي لا تستطيعُ تحريكهُ فركضت نحوها بلهفةٍ وخوف قائلة : ماذا حدثَ لكِ يا ابنتي؟
لم تُجب ميرال وأخفضت رأسها وهيَ تشعُرُ بالذنبِ بالسبب الذُعر الذي تسببت فيهِ لوالدتها وشقيقتها .
ثُمَّ نظرت الأُمُ إلى وجهِ يارا الشاحبِ الذي مازالت بقايا دماءُ سمية عليه وعيناها اللتان تلون بياضُهما باللونِ الأحمرِ من شدةِ البُكاء، اقتربت منها واضعةً كفي يديها على ذراعيها بلطف وقالت بصوتٍ مُرتجفٍ خائف : يارا حبيبتي ما بكِ ؟ ما بها شقيقتُكِ ؟.
اقترب منها علي وقالَ لها : اهدئي يا خالتي وسنُخبرُكِ بكُلِ شيء لكن دعيهما ترتاحان قليلاً أولاً.
الوالدة : حسنا اهلا بكم يا أبنائي اجلسوا ريثما أعد لكم العشاء.
للمطبخ لإعدادِ الطعامِ ، و هي قلقة وقلبها نبضاتهُ مُتسرعة من الخوفِ مما يكون قد جرى مع ابنتيها وهي تتساءل في نفسها عن هويةِ الشابانِ اللذان أتيا مع يارا وميرال.
وعندما جهزت مائدة الطعام أبت يارا أن تأكُلَ شيء رُغم محاولةِ والدتها بإطعامها ، حتى أنها لم تُبدل ملابسها المُتسخة .
أخذ علي وخالد يتناولان الطعام بينما كانت الوالدة تُطعمُ ميرال بيدها وهيَ تُراقبُ يارا  التي بدى الهمُ يأكُلُ قلبها وعقلها والتي كانت تحاولُ ابتلاعَ دموعها التي توشكُ على النزول بينَ الحينِ والآخر وهيَ قلقةٌ على حالها.
*****
كانت أمل تجلسُ في غُرفتها تنظُرُ من النافذة نحو الطريقِ  مُترقبةً قدومَ جورج  وقلبها يحترقُ خوفاً من أن يكونَ قد حلَ بهِ الأذى ، دون أن تعلمَ الخبر الأليم الذي انتشر في قريتها.
لم تستطع الانتظارَ أكثر فبدلت ملابسها مُرتديةً جلبابها ونقابها ، واتجهت نحوَ مجلس القائد المسؤول عن المُسلحين للسؤالِ عن جورج ، وقبلَ وصولها إلى مجلسهِ لمحت من نافذةِ الغُرفة التي كانَ يقيمُ فيها جورج مع راني خيالَ أحدهم يتحرك حيثُ كانَ راني يتجولُ داخلها قلقاً حزيناً لعلَ النار المُشتعلة في أعماقهِ تهدأُ قليلاً.
اقتربت من بابِ الغُرفة وطرقت الباب وهيَ مُترددة ، فتح راني الباب وهو مُتعبٌ شاحبٌ كأنهُ عجوزٌ بلغَ من العُمرِ مئةَ عام.
نطقت أمل مُتلهفةً خائفة قائلة بصوتٍ خافت مرتعد : راني!! أينَ جورج؟.
لم يدري راني ماذا يقولُ لأمل فترقرقت الدموعُ في عينيهِ ثُمَّ ابتلعَ غصةً كانت قد علقت في حُنجرتهِ قائلاً: إنهُ في رعايةِ السماء.
جهشت أمل بالبكاء ، ووضعت يدها على جدارِ الغُرفة القريبِ من الباب مُستندتاً عليهِ وهيَ بالكادِ تقوى على الوقوفِ من ألمِ هذا الخبر.
ثُمَّ أكمل راني قولهُ وتساقطت الدموعُ من عينيهِ : حاولي أن تكوني قوية واذهبي قبل أن يراكِ أحدٌ ونقعُ في المشاكل ،  هيئي نفسكِ لمغادرةِ القرية والذهاب إلى قريتي فهذهِ وصيةُ جورج .
حاولت أمل استجماعَ قواها قائلة : سأذهبُ في الغد فأنا لا أريدُ أن يُزوجني القائد لأحدِ المُجاهدين مجدداً.
ردَ راني : سأكتُبُ رسالةً لخطيبتي يارا ولوالدتي وستجدينها عند نافذةِ منزلكِ في الصباح ، أرجوكِ أن تُعطيها لها فورَ وصولكِ إلى هُناك.
مسحت أمل دموعها وردت بصوتها المكسور : سأوصلها لكَ لا تقلق، ضعها تحت المزهريةِ الموجودة على رف الحائطِ الصغير أمام النافذة.
*****
كانت والدةُ جورج تحاولُ مُغادرة المنزل لرؤيةِ جورج بعد أن أخبرتها يارا بما حدث بينما علي وخالد يحاولان تهدئتها ريثما يحلُ الصباح وتذهبُ إليه، أما ميرال فكانت تجلسُ على الأريكة مدهوشةً و أعصابُها ترتجفُ مما سمعته فهي لم تكن تعلم بأمر جورج.
اقتربت يارا من والدتها وعانقتها وهي تبكي تكادُ أن تصابُ بالجنون وتتوسلُ راجيةَ من والدتها السماح قائلة: أرجوكِ سامحيني ، أقسم أني لم أكن أقصد ، إن قلبي يؤلمني لما حدث يا أمي.
أما الأم فمسحت دموعَ ابنتها وهيَ صامتةً لا تستطيعُ أن ترُدَ على كلامها من شدةِ البُكاء والأنين .
لم تكن الأمُ تشعرُ بالفرحِ على كونِ ابنها مازالَ حياً بقدرِ ما كانت حزينةً من خوفِ فقدانهِ من جديد.
*****
حلَّ الصباح... استيقظ علي وخالد اللذان كانا قد ناما في غُرفةِ جورج ليجدا أنَّ الجميع مُستيقظٌ في الصالة .
طلبَ علي من أُمِ جورج أن تسمح له أن يوصلها هو وخالد إلى المشفى وهما في طريقهما للعودة إلى عملهما، وافقت  على طلبِه وطلبت من يارا أن تبقى بجوارِ شقيقتها لتعتنِ بها رافضةً منها القدومَ معها.
نظرت أمُ راني التي كانت تسقي بعض المزروعات أمامَ منزلها إلى أمِ جورج عند خروجها وألقت عليها التحيةَ قائلة : صباحُ الخير يا أُمَ جورج ، إلى أينَ أنتِ ذاهبة؟
ردت أم جورج بعجلة فهي كانت تتوقُ شوقاً لرؤيةِ ابنها: صباح النور ، إلى رؤيةِ جورج إنهُ حي لكن في وضعٍ خطر.
سقطَ إبريقُ الماءِ من يدِ أمِ راني و اقتربت من أم جورج مندهشةً وقالت بحرقة: حقاً ، وراني ؟؟.
ردت أم جورج بحزن : لا أعلم ، عندما يعودُ جورج لوعيهِ سأسألهُ عن راني.
توهج الفرح من عيني أم راني وكأنَ زهرةَ أملٍ صغيرة  تفتحت في قلبها قائلة : انتظريني ريثما أبدلُ ثيابي وآتي معكِ.
أم جورج :  أنا في عجلةٍ الآن عندما يستيقظ سوفَ أتصلُ بكِ لتأتي.
تابعت أم جورج طريقها في حين توجهت أم راني إلى المنزلِ لترى يارا أو ميرال وتفهم ما حدثَ من إحداهما.
*****
ارتدت أمل جلبابها ونقابها وكانَ و قد أصابَ جسدها الوهن من شدةِ الحُزنِ والبكاء ، ثُمَّ أمسكت بالسُترةِ التي كان يرتديها جورج آخر مرة قبلَ رحيلهِ  وشممتها بعمقٍ والدموعُ تتساقطُ من عينيها ووضعتها في الحقيبةِ الخاصةِ بها ، وقبل خروجها فتحت النافذة ورفعت المزهرية وانتشلت الرسالةَ التي تحتها ووضعتها في الحقيبةِ أيضاً.
ثُمَ غادرت القرية دون أن تأخذَ معها شيءٌ سوى حقيبةِ تعلقها على كتفها فيها السترةِ والرسالة وهويتها الشخصية وبعضِ النقود حتى لا يشعُرَ أحدٌ من رجالِ القائدِ المُسلحين أنها عازمةٌ على الرحيل ويحاولون منعها من ذلك.
*****
خرجت يارا و أم راني من المنزل بعد أن  أخبرتها يارا بما حدث في الليلة الماضية واتجهتا نحو الكنيسة وأخذتا تصليان وتدعيانِ الرب بأن يشفيَ جورج راجيتان بأن يكون راني حياً أيضاً ويعود سالماً تتضرعان إلى الله أن يستجيب الدعاء و يضيء الأمل في قلبيهما من جديد بعد أن طال الألم.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن