وصلت أمل إلى قريةِ جورج ، رفعت نقابها ليبدو وجهها الشاحب الذي كان يعتريه البؤس وأخذت تنظُرُ حولها مُتأملةً القرية ، أخذت تسألُ من تصادفهُ في طريقها عن منزلِ جورج و كلما نطقت اسمه شعرت بسكين تنغرس في قلبها حزناً على فراقه ، كان الناسُ ينظرون إليها باستغراب فهي تبدو غريبةً عنهم وعن قريتهم ، يتساءلون فيما بينهم عن سببِ سؤالها عن المنزلِ .
*****
كانت أم جورج تجلسُ بجانبِ ولدها غير مصدقة بأنها استطاعت رؤيتهُ من جديد ، تلمسُ بيديها تارةً على يديهِ وتارةً على وجههِ ولحيتهِ وهي تدعو له بالشفاء وعيناها تترقبان استيقاظه ليبثَ الحياةِ التي ماتت بداخلها وينتشل السواد والحزنِ من فؤادها الملوع..
*****
وصلت أمل إلى أمامِ بابِ المنزل وكانت مرتبكةً في حين كانت يارا تحدثُ والدتها لتطمئن على جورج الذي لم يتغير في حالهِ شيئ.
طرقت الباب فأغلقت يارا خط الهاتف واتجهت نحوَه وفتحتهُ، ثُمَّ نظرت إلى أمل التي كانت واقفةً كتمثال صامت لا تدري ما تقول.
وقالت لها يارا وهي تنظُرُ إليها باستغراب: يبدو أنكِ طرقتِ باباً خاطئ.
أجابت أمل والدموعُ تترقرقُ في عينيها : أنتِ يارا أم ميرال؟
ردت يارا مندهشة : أنا يارا و من أنتِ؟
أمل : زوجةُ جورج.
ضحكت يارا وهيَ تسخرُ من أمل وأشارت إليها بسبابة إصبعها باستهزاء قائلة : أنتِ زوجةُ أخي أنا .
ثُم دفعتها بيدها بقوة قائلةً : ارحلي من هنا....كاذبة .
تساقطت الدموعُ من عيني أمل فهي لم تكن تتوقعُ بأنه يكونَ استقبالاً قاسياً كهذا وردت قائلة : لم أتوقعُ أنكِ بهذه القسوة لقد أخبراني جورج و راني أنكِ حنونةٌ وطيبةُ القلب.
لمع بريقُ الأملِ والفرح في عيني يارا وتسارعت دقاتُ قلبها عندما سمعت اسم راني، شعرت بالذنبِ بسبب معاملتها السيئة لأمل فأمسكت يدها بلطف قائلة: أنا آسفة، أُدخلي...اعذريني لكن أعصابي متعبة هذه الفترة.
جلستا في الصالة بينما أخذت ميرال تنظُرُ إليها و تدقق في وجهها لمعرفةِ من هيَ لأنها ظنت بأنها شخصٌ تعرفهُ بسبب معاملةِ يارا الحسنة وترحيبها بها .
جلست أمل على الأريكة ونظرت إلى ميرال مُبتسمةً بحزن ، بينما جلست يارا بجانبها قائلةً بلهفة : أرجوكِ أخبريني أينَ راني ؟ هل هو حي؟.
استغربت ميرال سؤال يارا وخاطبتها بتعجبٍ قائلة : من هذه؟؟.
أجابت أمل : سأُخبركما بكلِ شيء .
ووضعت يداها على رأسها مكملةً كلامها المتعب: لكنني الآن أشعرُ بالدوارِ قليلاً .
دخلت يارا إلى المطبخ وجلبت كأساً من العصيرِ البارد ووضعتهُ أمامها وطلبت منها أن تشربهُ ريثما تحضرُ لها ثوباً من ثيابها لتُبدلَ ملابسها، فشكرتها وأخذت تشربُ العصير لتستعيدَ قوتها قليلاً فهيَ لم تتناول شيئاً منذُ ظُهرِ الأمس، بينما كانت ميرال تراقبُها بنظراتها متسائلةً في نفسها عن هويتها.
أحضرت يارا الثوبَ لأمل والخوف يتملكها من ما ستقولهُ بشأنِ راني وطلبت منها أن تدخُلَ لتبديلِ ملابسها ، فنظرت أمل إلى يارا بحزن قائلة : إن راني حي ...لكن....لكن
امتلأَ قلبُ يارا فرحاً عند معرفتها بأنَ راني لا زالَ حياً لكنها بقيت خائفة من ما تريدُ أن تقولهُ أمل أيضاً فقالت لها : لكن ماذا؟؟؟؟
مسحت أمل دمعةً قد سقطت على خدها وأكملت كلامها قائلة : لكن جورج قد قُتل.
اقتربت يارا من أمل وعانقتها بقوة وروحها تخشعُ فرحاً وهي تصرُخ : الحمدُ للرب ....الحمدُ للرب.
تفاجأت أمل من ردةِ فعلِ يارا ، فنظرت ميرال مُبتسمةً إلى أمل والفرحُ يشعُ من عينيها قائلة : إن جورج مصابٌ فقط وندعو الرب أن يشفيه.
وضعت أمل كفي يديها على خديها وكأن الله قد دبَّ بها الروحَ من جديد قائلةً : حقاً؟؟؟.
نظرت إليها يارا و قد غرقت عينيها بالدموع وقالت بصوتٍ شجين: نعم ، إنهُ في المشفى ووالدتي برفقته.
أمل : هل أستطيعُ أن أذهبَ إليه، خذونِ إليهِ أرجوكم.
يارا: ليس الآن فهو فاقدٌ للوعي وليسَ قبلَ أن تُخبرينا بكُلِ ما جرى.
بدلت أمل ملابسها ثُمَّ أخذت تُخبرُ يارا وميرال بما حدثَ و بما أخبراهِ بهِ جورج وراني عن ذلك اليومِ البائس، كانَ قلبُ يارا يُغردُ فرحاً كطيرٍ فرحٍ بعودةِ الربيع،
وبعد انتهاءها أمسكت حقيبتها وأخرجت الرسالة وأعطتها إلى يارا ، فأمسكت يارا الرسالةَ بلهفةٍ ودخلت إلى غُرفتها واستلقت على سريرها وأخذت تقرأها .
كانَ مكتوبٌ فيها :
<< حبيبتي يارا أعلمُ بأنكِ كُنتِ تنظرينَ قدومي بفارغِ الصبر و أنا أيضاً كنتُ أتوقُ شوقاً إليكِ لكن ما حدثَ في ذلك اليوم منعني من المجيء لم أكن حزيناً لما حصل بقدرِ ما كنتُ حزيناً لأنني سأكونُ سببَ إحزانِ قلبكِ الصغير الذي طالما أحببتُه ، اخترتُ هذه الحياةَ الذليلة التي أعيشها الآن على الموتِ الكريم لعلي أعودُ يوماً وأعيدُ لكِ ابتسامتكِ من جديد.
أتذكرينَ حينَ قُلتِ لي ابقَ حياً مهما كلف الأمر ؟ لقد بقيتُ حياً لأجلكِ لكن تكلفةَ الأمرِ كانت باهظة ، لقد صعدت روحُ صديقي المُفضل والأخُ التوأمُ لغاليتي "جورج" إلى السماء لطالما كان يتمنى أن يعودَ إلى القرية و إلى حياتهِ السابقة فيها من جديد كانَ يتمنى أن يقضي يوماً واحداً بينكم قبل رحيله لكن القدر لم يلبي لهُ ما تمناه.
الآن أصبحت وحيداً بعد رحيله ، لكن ما يبقيني متمسكاً في الحياة هو أملُ العودة فربما أعودُ يوما ويغمرنا الفرحُ و أروي قلبَ والدتي الذي أعلمُ أنهُ قد جفَ على غيابي وربما ألقى مصيرَ جورج و تموتُ معي هذهِ الأُمنيات .
لا تحزني إن واتتني المنية و لم أستطع العودة فروحي ستبقى بقربكِ مهما حصل ، كوني قويةً لأجلي ، ابتسمي وافرحي وتمتعي بالحياةِ لا تجعلي الحُزنَ يأكُلُ جمالَ عينيكِ ويُذبلُ طفولةَ قلبكِ ، كم أتمنى لو أستطيع أن أقبض روح واحد منهم مقابل كل دمعة أمطرت بها لآلئ عينيك.
أخبري والدتي أني أحبُها كثيراً واطلبي منها أن تسامحني فقد كانت غاضبةً مني عندما كلمتُها آخرَ مرة ، أخبريها أن قسوتها وغضبها هما أحنُ من كُلِ ما يجري في هذه الدُنيا.
إني مشتاقٌ إليكما كثيراً ، اشتقتُ أن أشربَ القهوةَ معكِ كُلَ صباح وأن أشعلَ بعض السجائر، اشتقتُ لأن تغضبي مني وتوبخيني ثُمَ تعانقينني وتبكي ، إني أحنُ لكُلِ تفاصيلِ الحُزنِ والفرحِ في قريتنا.
اعتنِ بوالدتي وهوني عليها ألمَ غيابي ، واعتنِ أيضاً بأمل والطفلِ الذي في أحشائها فلقد أوصى جورج بها وبطفله>>.
أنهت يارا قراءةَ الرسالة وضمتها إلى صدرها ثُمَّ غزاها البكاء الذي مزج بين الحزن والفرح معاً.
أنت تقرأ
ابق حياً مهما كلف الأمر
Romanceكانت ليلة مدججةً بالدماء كنتُ على وشك أن أقتل نفسي لكن خشيتُ أن أُعذب بشكلٍ يجعلنني أطلبُ الموت ولا أجده لكنني تذكرت (ابقَ حياً مهما كلف الأمر)كلماتكِ لم تغادرني. ارتديتُ ثوباً لم يكن لي يوماً تخليتُ عن كل شيء على أمل أن أعود . تُرى هل سأموت دون أن...