حب الطفولة

5 2 0
                                    

لم تستطع أم جورج  النوم رغم تأخر الوقت و نوم أمل و طفلها ، خرجت إلى الصالة و شَغلت التلفاز على أحدِ قنوات الأخبار تجمدت أوصالها حين شاهدت المجازر التي شهدتها قرية علي ، دخلت إلى غرفة أمل بهدوء و أخذت تنقر على كتفها لتيقظها و تقول بصوت مرتجف : أمل ....أمل .... استيقظي.

فتحت أمل عينيها  : ماذا هناك؟؟؟.
أم جورج : أين يارا يا أمل؟؟؟.
ارتبكت في شك بأنها قد علمت وردت قائلة: قلت لكِ أن شبكة الهاتف معطلة في قرية علي.
وضعت أم جورج كفي يديها على وجهها و أمطرت عينيها : لقد رأيت ما حدث في نشرة الأخبار ... هل هيَّ حية؟؟؟ .... هل تعلمين شيئاً عنها؟، أخبريني أرجوكِ.
أمل : آمل أنها حيَّة لم يذكر اسمها مع الشهداء أظنها أسيرة لديهم... أرجوكِ اهدئي.
أم جورج : و علي؟؟؟؟.
أمل: لقد قتلوه.
خرجت أم جورج وهي تضع يدها على فمها كي لا تيقظ ببكائها الطفل الصغير النائم ، جلست في سريرها و الدموع لا تفارق عينيها التي غادرهما النوم.
*****
نامت ميرال ودموعها تُغرقُ خديها حُزناً على شقيقتها وزوجها ، وخالد يجلسُ بجانبها على السرير وينظرُ إلى صورهِ مع علي على هاتفهِ النقال ويتذكرُ أيامهُما سوياً ،يدعو لهُ بالرحمة و هوَ يكادُ يختنقُ من الحزنِ عليه وقلبه ينفطرُ وجعاً فبين يوم وليلة يغادرنا أحباء ظننا بأنهم لن يفارقونا إلى بعد زمن طويل ، نلقاهم دون أن نعلم بأنه لقاؤنا الأخير ، نتفق معهم على مواعيدٍ لنراهم فيها لكنهم يصبحون غائبين عن كل المواعيد خالدين في الذكرى بعد أن نفذت أيامهم بيننا .
*****
في ظهيرةِ اليومِ التالي استيقظَ راني على صوتِ رنينِ هاتفهِ النقال ، فأجابَ على المُكالمةِ وكانَ المُتصلُ هو القائد وقد اتصل ليخبرهُ أن يُعدَ يارا ويحضرها إليهِ لإعادتها إلى أهلها في صفقةٍ لتبادلِ الأسرى ارتاحَ وخفَ عبءُ قلبهِ  لأنهُ سيؤّمنُ لها خروجاً آمناً من  ذه القرية نهض من على الأريكة التي كان ينام عليها في الصالة ، دخل إلى زوجته التي كاد الدم أن يخرج من عينيها ، وانطبعت آثار صفعته على خدها، أزال قطعة القماش من حول فمها وقال بحزن : لم أقصد أن أؤذيك هكذا سامحيني... اتصلوا بي اليوم سوف تغادر القرية و يمكنكِ حينها أن تذهبي إلى والدكِ و تخبريه كي يثأر مني .
ردت بصوتها الشجين الذي غير البكاء نبرته : مَن هيَّ حتى تضحي بنفسكَ لأجلها؟.... من هذه الفتاة؟؟؟.
راني : إنها كل شيء.
رهام: لم أفهم!!!.
راني : إنها حب طفولتي ، الفتاة التي كنت سأتزوجها لو لم أجبر على القتال معكم لو لم يأخذ أمثال والدكِ القطعة العسكرية التي كنت فيها لكنت تزوجتها الآن.
صدمت رهام مما سمحته : لكنها مسيحية أن إشارة الصليب موشومة على أجزاء متفرقة من جسدها!.
راني : و أنا لست مسلماً لقد ادعيتُ الإسلام كما ادعيتموه معظمكم.
رهام: أنا لا أصدق .. انا أحلم .... لقد كانت متزوجة من غيرك و أوشكت أن تنجب منه.
راني : هي لم تفعل هذا إلا بعد أن كسرت قلبها و تخليت عنها .... مهما فعلت أو ستفعل لا أستطيع أن أكرهها إنها آلهتي على هذه الأرض.
أخذت تصرخ و تبكي : أيها الحقير .... أيها الوضيع ، لقد أحببتك ما هو ذنبي أنا... ما ذنب طفلتي الصغيرة؟ .أعاد إغلاق فمها بقطعة القماش و هو يقول : قلتُ لكِ أن تفعلي ما شئتِ لكن ليس قبل أن أخرجها من هنا .... إنها ما أنا حيٌ لأجلهِ حتى الآن فكيفَ بوسعي أن أجعلكِ تتسببينَ في مقتلها.
.... .
أخذ غطاءاً للشعر من خزانتها و خرج من الغرفة مغلق الباب خلفه
*****
دخل إلى الغرفة التي تنام فيها يارا و ضع طبق الطعام وغطاء الشعرعلى الطاولة ، جلس بجوارها أخذ يتأملها مودعاً إياها بعينيه يعلم أنها ربما المرة الأخيرة التي سيراها فيها ، فهو سينتظر مصيره المشؤوم بعد رحيلها عندما تخبر رهام والدها بحقيقته ، أيقظها بلطف وهو يمسح على شعرها فقد فاق حجم حبه لها حجم حزنه منها : انهضي ... ستغادرين اليوم هذه القرية.
فتحت عينيها و جلست ساندة ظهرها على طرف الأريكة ، أخذت تنظر إليه كان بالنسبة لها الجزء الأكبر من الألم المتمركز في قلبها و الذي شطر روحها التي كانت يوماً تحب الحياة.
قرَب طبق الطعام الذي يحوي حساء الخضار مع اللحم منها : هيَّا عليكِ أن تأكلي... لم تتناولي الطعام منذ يومين.
همست بصوتٍ بالكاد يسمع : لا أريد.
راني : انظري إلى وجهك كيف يبدو متعباً ، هيَا لأجلي.
يارا: لا أريد.
غصًّ راني في حزنه : ربما لن أراكِ للأبد ، كنت آمل أن يكون وداعاً غير هذا.
قدم لها غطاء الشعر و أكمل قائلاً: ضعيه عندما نغادر كي لا يتعرض لكِ أحدٌ من الحثالة ، لم أستطع الاعتناء بكِ و أنتِ هنا ستكونين بين أفراد عائلتكِ أفضل.
صوت متعب كان يهمس في قلبها ( كُنتَ يوماً عائلتي ، بل كنت أغلى من ذلك وربما حتى الأن أنت هكذا لكن فؤادي لم يعد يحتمل أن يشعر بشيء ، طرد منه كل المشاعر كي لا يختنق بها).

*****

حملها باتجاهِ البابِ الخارجي فهي لم تكن تستطيعُ المشي بشكلٍ طبيعيٍ ، وقبلَ أن يخرُجَ معها من منزلهِ نظرَ إليها وهو لا يعلمُ أيحزنُ منها أم عليها فقد كانت في حالةٍ يُرثى لها ، كانَ الجرحِ الذي في جبينها كبيراً وجزءٌ من جبينها متورمٌ قالَ لها حزيناً : أخبري أُمي أنني مشتاقٌ لها كثيراً ، وأنتِ أيضاً سأشتاقُ لكِ وعليكِ أن تعلمي أنني لم أتقصد أن أؤلمَ قلبكِ يوماً وأن حبكِ في قلبي لن ينتهي إلا عندَ موتي .... سامحيني.

ابق حياً مهما كلف الأمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن