عندما وصلت الى البيت أخيراً توجهت فورا الى غرفتي، وكما توقعت وجدت مكتبي مبعثرا. وادراج الدولاب كانت مفتوحة على مصراعيها. إنه حتى لم يكلف نفسه عناء اغلاقها
كان الدم يغلي في عروقي. واحسست بالالم ينبض في جبيني
كان هناك ثلاث علب من الدخان داخل الدرج. لم اجدها
"اللعنة عليك يا مراد!" صرخت في البيت وكنت لوحدي
ذهبت غاضبة الى غرفته امسكت شيئا ما كان على طاولة الزينة، ورميته على المرآة وتكسر امامي ولم آبه ما كان ذلك الشيء ونظرت إلى صورته المعلقة بجانب المرآة هو وصفاء والاطفال ضاحكين الى شيء ما كان امامهم. سببتهم جميعا رغم أن اخوتي لا علاقة لهم بالغضب الذي لدي الآن.
بأي حق يبعثر في ادراج الدولاب وياخذ الدخان! إن له ثمن ولم اشتره بالمجان فهذه اموالي التي رماها وليست مصروفا منه حتى يتصرف وكأنني اسرفت وانفقت امواله في شيء ضار. لما يهتم ويغضب. هذه اموالي
امسكت هاتفي وانا اكاد انفجر من الحنق واتصلت به
رد بسرعة فاستغربت قلت "هل اخذت علب الدخان؟ أين وضعتها ؟" كان سؤالي يجيب على نفسه فمن غيره سيأخذها
"رميتها جميعاً" قال بهدوء
"الا تعرف ان ثمنه غال بالنسبة لي وسوف اشتري بدلا منه حتى لو رميته؟"
"ان كنت غبية وانا اعتقد انك كذلك فستفعلين هذا "
اغلق الخط في وجهي
..........
امسكت قلادتي التي ارتديها وكان بداخلها صورة لامي حتى اهدأ نفسي واتذكرها. لم اكن ازيل تلك القلادة من رقبتي ابدا. فلقد كنت اشعر بأن امي معي وانا ارتديها. ربما كان هذا خرافة او عادة ولكني لم اكن لاستغني عن القلادة ابدا. حتى لا انسى ابدا كيف هو شكل امي.
فلقد كانت صور صفاء واطفالها في كل مكان بينما لم تكن هناك اي صورة لامي الراحلة. فلقد ازالها مراد عندما تزوج واخذت انا صورة صغيرة اعطاني اياها في مبادرة نادرة من الاهتمام من قبله. ووضعتها داخل قلادة فضية ذات عقد اسود اللون. واحتفظت بها دائماً
خرجت من البيت وتوجهت الى المقبرة لازور قبر امي واشكي لها ما اعانيه. وفي الطريق اشتريت علبة واحدة فقط من الدخان
عندما وصلت الى القبر. قرأت بعض الادعية لها. ثم اخذت اقول لامي كل مشاكلي مع زوجها الذي تركتني في عهدته
"ايه يا أمي.. لا اعرف ان كنت تسمعينني أو لا ولكنني سابقى على زيارتك واخبارك دائما بما اعانيه. فأنت الوحيدة التي كنت تهتمين لأمري حقاً . ربما انت الان بمكان افضل ولا تكترثين بالدنيا، ولكن ربما.. ربما ..ما زلت تذكرين ان لديك ابنة في الدنيا تعاني الأمرين، فالاموات هم وحدهم من يعرفون الحقيقة."
امسكت سيجارة ثم ارجعتها الى حقيبتي لا. ليس هنا
قلت للقبر
"ماذا افعل مع زوجك؟ كيف تزوجت من شخص مثله؟ ماذا رايتِ فيه ؟ انا لا استطيع ان احبه مطلقا هذا وانا ابنته. ولكن انتِ كيف احتملته؟ ان الله كان رحيما بك لياخذك الموت بسرعة دون ان تبقي على ذمته مدى الحياة. فانا اعرف انك لم تكوني لتطلبي الطلاق منه مطلقاً"
صمت قليلا ثم اكملت حديثي:
"يتدخل بي دائما رغم انه لا يحبني وانا اعرف هذا مهما حاولت ان تقولي وتخدعي نفسك ان كل الاباء يحبون ابنائهم ولكن هو لا يحب الا نفسه. انه حتى لا يحب ابناءه الجدد، فلم ارى أي ذرة اهتمام باحد فيهم من قبله "
قلت للقبر بعد مدة من الصمت
"استودعك الان " ووضعت النبتة التي جئت بها بجانب التربة.
وسياتي حارس المقبرة لاحقا ويزرعها. وكنت قد قلت له انني ساتي كل اسبوع أو على قدر استطاعتي. لازور القبر واسقي النبات. ولكني لا اعرف الزراعة إن جئت مرة وجلبت معي نبتة جديدة. فقال لي انه سيتكفل بالأمر.
خرجت من المقبرة وانا بحال افضل قليلا . امسكت سيجارتي واشعلتها بانتظار سيارة الاجرة
حسنا..
خطرت لي فكرة لن اضع ما اشتريه من الدخان في البيت الان. بما انني مضطرة الى الذهاب يوميا الى الشركة هذا الشهر. فسوف اضعها في خزانة لي هناك، وساتوقف عن التدخين في البيت هذه الفترة.
فليس هناك ما هو اسوا من ان تشتري شيئا باموالك التي تتعب من اجلها ولا تستخدم هذا الشيء بل يرمى في القمامة. فتشتريه مرة اخرى مثل الحمقى، وانت تعرف ان احتمال رميه مرة ثانية أمر وارد.
لا لن افعل هذا.. ان المال شيء احبه واتعب بسببه ولن ابذره
أنت تقرأ
جوع في الجحيم
ChickLitجوع في الجحيم رواية درامية رومانسية بوليسية مشوقة بطلتها فتاة تدعى هند تعمل في احدى الشركات العادية وحياتها تبدو هادئة لمن يراها من الخارج. الا ان تتطور الامور وتصبح هي في قلب الحدث ووسط مشكلة لا يستطيع وضع حد لنهايتها الا هي