الفصل الثالث

38 3 0
                                    


كانت زوجة ابي صفاء امرأة مسكينة واسم على مسمى فهي كانت صافية النية تجاهي وتعاملني بلطف واحترام، قدر ما تستطيعه. وليس قدر ما احتاجه.  كان عيبها الاول انها تزوجت من ابي وهي تعرف ان لديه طفلة عرجاء ولم تطلب تلك الطفلة اليتيمة  اما جديدة. ولم تطلب ولم تحتج الى شفقتها ورعايتها.  بل لم ترحب بوجودها. ربما يظن الناس ان هذا اجحافا في حقها، وقساوة مني لانني لا اعاملها كما يجب وربما كان هذا صحيحا بعض الشيء،  ولكن لدي اسبابي لاكون كما أنا. باردة ومتحجرة القلب 

 منذ سن الرابعة وربما الخامسة وانا اعي جيدا المشاعر الانسانية واعي ايضا انني اصبحت بليدة الحس، فلقد فقدت امي منذ عمر مبكر جدا بالنسبة الى طفلة صغيرة. كان هذا اقسى ما تستطيع مخلوقة مثلي تحمله  ولم يقف ابي مع حزني قط بل فورا فكر بالزواج من اخرى. اذا يحق لتلك الطفلة أن تبلور شخصيتها وفق تلك المعطيات وأن تتعامل مع الناس وفق مصالحها الشخصية فقط.

 لم ابتسم لصفاء عندما حاول  المدعو ابي "والمسمى بمراد" بتعريفي عليها في اول مرة احضرها ،  كنت حزينة جدا لوفاة امي في ذلك الوقت وهو كان يريد تعريفي على زوجته الجديدة فوراً حسنا .. لم ارحب بها ولم اكن اريد لابي احضار بديلة لامي اذ لا يوجد بديلة لها، والتزمت الصمت واتخذته وسيلة للتعبير عن رفضي لهذا الزواج السريع منه.. وكأن امي كانت بالنسبة اليه جارية او عبدة انتهت حياتها فاستبدلها بامرأة اخرى دون ان يراعي وقتا او حزنا. 

 ولكن من كان سياخذ برأيي؟ وهل يفكر الاباء بالاستئذان من اولادهم عندما يريدون الزواج مرة ثانية بالطبع لا. كنت مجرد غبار على الحائط بالنسبة الى مراد على كل حال وسيعمل ما تمليه عليه نفسه لا ابنته. ولكنه تظاهر بانه يهتم بي امام صفاء واخذ يتكلم ويسالني وكأنه فكر مرة أن يتناقش معي بأي شيء! انه لا يعتبر الاطفال مخلوقات واعية بل مجرد اشياء موجودة امامه ولا تفهم. يتكلم معهم فقط عندما يكون لدينا ضيوفا اما فيما عدا ذلك لم يعرني اي انتباه لاحظت هذا فيه بوجود اخوتي الجدد ايضا من صفاء لاحقا.  فهو لا يسالهم او يناقشهم بشيء يجب ان يقول احد ما لمراد ان الاطفال تفهم وتتذكر كل ما يقال امامهم وان لاحظوا عدم رعاية وحب من والدهم فلن يحبوه.  ربما ييخافون منه ويهابونه ولكن حبا واهتماما؟ لن يرى  ذلك منهم قط. كما فقد حب ابنته الكبرى سابقا سيفقد حب اطفاله الجدد.

  ومنذ  كنت طفلة  فهمت هذا فيه ولم احبه بل كنت احب امي فقط اما هو فلا لن احبه  مهما حاول.. ولن يحاول فمثل ما قلت انا بالنسبة الى ابي غبار.. مجرد عبئ على كتفيه .. وعاجزة ايضا فلقد كنت عرجاء .

 اخذتني والدتي قبل ان تتوفى الى الطبيب حتى تعرف كم يكلف العلاج لقدمي وهل العملية ستزيل العرج اذكر ان الطبيب قال لها مبلغا ما ويبدو انه كان كبيرا جدا بالنسبة اليها والى ابي لاننا لم نعد مطلقا الى عيادة الطبيب ذاك.

 ولكني في تلك الليلة  سمعت ابي يقول عندما اخبرته امي بالنبأ وكنت ذات سمع جيد "ماذا !! كل هذا المبلغ من اجل تصليح عرج بسيط!!! انسي الامر فالتبقى عرجاء!!"

 ثم قال مسبة ما لم اسمعها جيدا من مكمني وراء الباب كنت كالشبح واثر ذلك كثيرا على نفسيتي ومشاعري ..

اذا.. يبدو ان كرهي لمراد بدأ حتى قبل وفاة امي ...ومنذ ذلك الوقت استطيع القول  بكل ثقة انه قد  بدأ الخلل في داخلي.. الخلل في أن اثق بمخلوق أو ان استطيع حب أي مخلوق واعتبرت أن الجميع اعداء لي  إلا أن يثبتوا العكس

وبالفعل، فالاشخاص الذين كنت اثق بهم في حياتي  قلائل اما الاشخاص الذين كنت اهتم بهم .. فلا احد حقا يهمني امره كفاية.

 الكل موجود في حياتي لانهم موجودون وان اختفوا يوما ما فلن ابالي 



جوع في الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن