فصل ثمان وعشرون

4 2 0
                                    


بعد أن ابعدت جميع الافكار التشاؤمية ومخاوفي المبالغ بها، وبعد أن قمت بتجميع المبلغ اللازم، ذهبت إلى المستشفى للمرة الأخيرة، وذلك  لتحديد موعد العملية  النهائي مع الطبيب المتخصص.

وتم الأمر. وحددتها في نهاية الشهر المقبل. وقال لي الطبيب  مذكرا اياي بانني ربما احتاج للبقاء بالمسشتفى اسبوعا او عدة ايام،  بحسب مدى نجاحها و سرعة علاجي.  لذلك فكرت بانني يجب أن اقوم باخبار من اعيش بينهم، لربما مت مثلا، من سيخبرهم؟  ولا استطيع ان ابقى اسبوعا كاملا إن احتجت للبقاء  بالمستشفى دون ان اقول لهم بالطبع.  لذلك اخبرت صفاء، فوالدي كان مختف عن الاجواء 

.....

"حقا؟ عملية لقدمك وحددت الموعد؟" قالت صفاء وعلائم الدهشة مرسومة عليها. حتى انها توقفت عن تقليم حبات الفاصولياء

"نعم، الشهر المقبل"  وقلت لها المبلغ

"كل هذا ولم تقولي لوالدك أو لي من قبل؟"

"تعرفين انه لن يساهم بأي شي فلما اخبره؟ اخبرتك الان لانني ربما اضطر للبقاء بالمستشفى اكثر من يوم ولم اكن متاكدة تماما بموعدها وعندما حددتها اخبرتك" قلت

قالت بعد استوعبت "سوف اذهب معك يوم العملية بالطبع. فلن تذهبين لوحدك مثل المقطوعة من شجرة"

"لست مضطرة لذلك"

"بلا انا مضطرة، انت بمقام ابنتي رغم انك لا تعتبرينني كذلك. من هذا الطبيب؟ هل تاكدت انه جيد؟"

"انه مشفى متخصص بالقدم ومشاكل العرج وسالت عنه وقالوا انه من اكفأ الاطباء بهذا المجال"

"سوف اتحدث معه، متى موعدك للمراجعة قبل العملية؟"

فتاففت بصوت مسموع "لن تفعلي هذا لطالما ذهبت لوحدي لصور الاشعة والفحص"

"ولكن يجب ان اتاكد بنفسي، واراه واسأله بعض الاسئلة حتى لا يظنوا انك لوحدك بل لك عائلة تهتم بك " 


.....................


لا اعرف لماذا تذكرت فجأة يوم حفل تخرجي من الجامعة. فلقد كنت وحيدة وقتها ايضا وشعرت بانني مقطوعة من شجرة حقا، وبانه ليس لدي احد في العالم

في يوم تخرجي وذلك كان قبل  سبع سنوات وربما اقل أو اكثر،  لا اذكر  فالايام تمضي بسرعة، ذهبت لحفلة تخرجي لوحدي دون ان اقوم بدعوة احد. لا ابي ولا صفاء. فلقد كنت ما زلت غاضبة منه بسبب الاقساط التي لم يساهم بها. 

 فقط الاصدقاء من الجامعة، والذين هم بدورهم احضروا اهلهم. باستثنائي أنا بالطبع.  تذكرت "جودي ابوت" كانت لوحدها يوم تخرجها أيضاً، ولكن كان لديها صاحب الظل الطويل يساندها طوال الوقت. بينما انا كنت لوحدي تماما كاليتيمة. وانا كنت يتيمة حقا. فالاب لا يعتبر سند ان لم يكن ابا حقا. لولا وجود صديقتي سمر وروبي لما كنت حتى قد ذهبت لحضور الحفل.

 تصرف اهلهم معي بعطف، وطبعا حاول الجميع اشراكي بالصور. ولكن سمر قالت لهم ان هذه لن تقبل ابدا مهما حاولتم وابعدتهم بلطف. نظرت الى مقاعد الاهل وقتها، وتخيلت وجود والدتي روحيا وبالكاد منعت نفسي من البكاء

كانت درجتي جيد جدا والمشروع الذي  قدمته في فصلي الاخير اعجب الجميع لفكرته المميزة المبتكرة، و التي لم يسمعوا عنها من قبل. وكان عميد كليتي قد طلب مني القاء كلمة. فقلت في نفسي وقتها ان فعلت فساصبح حقا مثل جودي ابوت. لم يكن الخطاب والإلقاء العام ابدا من صفاتي. فاعتذرت عن ذلك. واستلم الالقاء طالب اخر من دفعتي

عندما انتهت مراسم التتويج وتسلم جميع الطلاب شهادات التخرج وشهادات التقدير، توجهوا جميعا الى اقربائهم الذين جائوا معهم ليحتفلوا معهم.  منهم من عمل زفة كبيرة، ومنهم من غنى واغرق ولده او ابنته بالهدايا والورود.

 ابتعدت عن كل ذلك وتوجهت خارجة من الجامعة وتوجهت فورا للمقبرة. وضعت شهادتي الفخرية على حجر القبر واخبرت امي بانني تخرجت بتقدير جيد جدا وبعلامة كاملة للمشروع.. كنت اخبر امي بجميع تفاصيل حياتي الصغيرة والكبيرة ولم اكن لاغيب عن زيارتها في اهم يوم بمسيرتي التعليمية.

وكان حارس المقبرة قد اعتاد على وجودي. وعرفني عندما رآني احمل شهادتي، بارك لي بالتخرج . وكان عجوزا يقارب السبعين فشكرته.  وكان الشخص الوحيد الذي بارك لي من خارج جامعتي.  فلم يكن صفاء او ابي ليعرفوا ان ذاك اليوم كان يوم التخرج. فقد عرفوا انني انتهيت من دراستي، و الذهاب لحضور المحاضرات  يوميا.

 وكانت صفاء وقتها حاملا باختي ليان ولم تكن لتنتبه او لتفكر بأي شيء آخر خارج عن حملها المتعب.  لذلك لم تلاحظ شيئا غير عاديا يوم تخرجي. رغم تجهيزي لملابس التخرج  والحذاء المناسب قبل ذهابي بايام.

.........


جوع في الجحيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن