٤١

2.3K 31 0
                                    

الجزء ( 41 )

إن قصتنا لاتكتب ،
وسأحتقر نفسي لو حاولت ذات يوم أن أفعل ،
لقد كان شهراً كالإعصار الذي لايُفهم ، كالمطر، كالنار،
كالأرض المحروثة التي أعبدها إلى حد الجنون
وكنت فخورا بك إلى حد لمت نفسي ذات ليلة
حين قلت بيني وبين ذاتي
أنك درعي في وجه الناس والأشياء وضعفي ،
وكنت أعرف في أعماقي أنني لا أستحقك
ليس لأنني لا أستطيع أن أعطيك حبا تعينيّ
ولكن لأنني لن أستطيع الاحتفاظ بك إلى الأبد

*غسان كنفاني.

،

وقفت مُتصنمَة هي الأخرَى و الخوفْ يدبُّ في قلبها و الحُمرَة تكتسِي وجهها وعيناها تكاد تختنق من بياضها المُرتجف ، أمام أشباح أم ماذا ؟ لم نؤمن بوجُود الأشباح يومًا .. من هؤلاء ؟

همست بصوتٍ مُهتز : خلينا نركض

سُمية : شوفيهم ما يشوفونا ؟

أفنان تُغمض عيناها بشدَّة : ماأبغى أشوف تكفييين خلينا نروح .. نادي أحد

سُمية رجعت للخلف وأرتطمت بِرفٍ لتسقط عدة ملفات على الأرض ،

ألتفتُوا الأربعة المُكتسين بالسوَاد من رؤوسهم إلى أقدامِهم و لا يظهرُ البياض إلا من أسنانِهم المُنقطة بالدمَاء ، سارُوا بخطواتٍ موسيقية مُرعبـة ، بلعت ريقها أفنان و لا صوتُ لها ، و سُمية فكوكها ترتطم في بعضها وترتجف لتصرخ ،

بصرختها ركضُوا بإتجاههم ليركضُوا بلا مسَار بين الأرفُف و الممرات الضيِّقة.

جُرَّت قدم أفنان لتسقط على الأرض المُغطاة ببعض الأتربـة ، ألتفتت عليها سُميـة وكادت تعُود إليها لولا آخرًا شدَّها من فمِها و كفِّه ذات رائِحة معجُون الطماطم ، لطَّخ شفتيْها بسائِلٍ لزج ،

أنطفأ النُور لينتشِر الظلام و لا مجال للنُور إلا من نافذةٍ علويـة قريبة من السقف ، أفنان الواقعة على الأرض رفعت عينها لبصيص النُور المُنبعث لتتلاقى عيناها مع عينا هرَّةٍ حمراء كـ مشرُوب التُوتْ القاني ،

أفنان برجفة : سميــة ..

و لاصوتٌ سوى صداها ، قتلوها ؟ لا بُد أن يقتلوها ؟ رُبما عصابـة ، عقلي يتفجَّر و الظلام ينغمسُ بعيني ، لابُد أنه حلم ، يالله حلم !! خيال !! ماذا يحصُل ألم يسمعُوا صُراخنا ؟ كل المكاتِب بجانبنا ! كيف يتجاهلُون أصواتِنا ؟ سيقتلُونِي الآن ،

همست : سُميـــة .. يارب يا رحيم

شعرت بوخزٍ يسار صدرِها و ضبابٌ يلفُّ عيناها ، سيغمى عليّ ولا أحد بجانبِي ، سيقتلوني وأنا هُنا في كَان ؟ يالله و أهلي ؟

قدمِها مُتيَّبِسة غير قابلة للوقوف ، مكسُورة و تشعُر بالضعف والمرض من أن تقُوم.

سمعت صرخة داميـة من حُنجرة سُميـة ، أيقظت عيناها التي تُجاهد أن تفتحها رُغم الدوَار الذي يُصيبها ،

لمحت في شفتيها طيف مقبرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن