' السمراء داكنة البشرة '

5.2K 194 36
                                        

بسم الله يلا نبدأ:

' الباب السابع '

وقبل أن يقتلها، تدخلت قوة خارجية وأوقفت الصياد تلك اللحظة لم يتسنِّ للصياد الأبحق أن يرى الشخص الذي أوقفه؛ ذلك أنه فارق الحياة قبل أن يتمكن من رؤية قاتله....

هوى جسد الصياد منهارًا....

وقبل أن تلامس جثته الأرض كانت أجساد الصيادين الأربعة الباقين قد سقطت أرضًا معه....

لم يكن الشخص الذي أنقذها هو والدها ' غَياث '...

وما كان يهمها تلك اللحظة أن تعرف....

كل ما كان يهمها فقط هو أن تركض نحو ' رعد ' لتطمئن عليه كان جسده هامدًا حين تحسسته، قالت تهمس في أذنه:

انهض سنعود إلى البيت.

وحين لم يُبدِ تجاهها أي حركة التفتت نحو الشخص الذي أنقذها فكانت فتاة سمراء داكنة البشرة لها شعر خشن تشده إلى الخلف وتُبقيه على هيئة ذيل حصان قالت ' نورس ' وكأنها تشكو إليها أمرًا يؤلمها:

ما به، لماذا لا يرد؟

تربعت الفتاة السمراء أرضًا بالقرب من ' رعد ' مدت يدها نحوه وأغلقت عينيه:

لأنه مات.

كانت تلك هي المرة الأولى التي تختبر فيها ' نورس ' شعور الفقد فأحست بالاختناق وكأن أحدهم يُقحم رأسها في كيس من الطحين ويطلب منها أن تتنفس.

قالت وعقلها الصغير يرفض الفراق الأبدي:

دعينا نأخذه إلى أحد الحكماء؛ علِّهُ يشفيه من الموت.

الموتى يتركون أجسادهم ويرحلون لمكان آخر.

ومتى يعودون؟

إنهم لا يعودون بل ينتظرون قدومنا إليهم.

حدقت ' نورس ' إلى ' رعد ' وعيناها تغرقان بالدموع:

هل يتوجع الأموات؟

الأموات لا يتوجعون، الأحياء فقط من يتوجعون لفقدهم.

كانت ' نورس ' ترى تلك الفتاة السمراء لأول مرة....

ولكنها على نحو غامض أحست تجاهها بأمان غريب فأمالت رأسها الصغير إلى كتفها وسألتها:

ما اسمك؟

' ' ريحانة ' ابنة ' مَيثم. ' '

أكانت المصادفة هي من قادتكِ إلى هنا يا ' ريحانة '؟

بل والدك.

تعرفين والدي؟

كان والدك ' غَياث ' قائدي في الفرقة المخصصة لحماية الملك، وقد طلب مني أن آتي لأتفقدك.

شكرًا لأنكِ أتيتِ.

كانت ' ريحانة ' تُدرك أن ' رعد ' لم يكن ' لنورس ' كلبًا أليفًا اعتادت عليه فقط، بل يُعد بالنسبة إليها بمثابة أحد أفراد العائلة؛ لذلك أمسكت يدها برفق وقالت:

كل شيء سيمضي.

ولكن هذا الألم أكبر من أن يمضي.

صمتت ' ريحانة ' وكأن تلك الجملة ذكرتها بشيء ما:

عندما كنت بمثل عمرك مات والدي يا ' نورس '....

أذكر حينها أنني قلت الجملة ذاتها:

' هذا الألم أكبر من أن يمضي.... '

ولكن أتعلمين ماذا حدث؟!

ماذا؟

الوقت جعله يمضي.

هل يجعلنا الوقت ننسى؟

لا، ولكنه يجعلنا نتعايش مع الحزن.

كان هنالك سؤال يؤرق قلبها ويقض مضجعه:

كيف أتعايش مع حقيقة أنني من تسبب بموته؟

لا أحد يموت بسبب أحد، ولا أحد يموت قبل وقته یا ' نورس ' فحتى لو عدتما إلى البيت لكان ' رعد ' سوف يموت في الوقت نفسه ولكن بطريقة أخرى.

أتظنين ذلك؟

بل متيقنة منه تمامًا مثل ما أنا متيقنة الآن بأنني أحادث أجمل قملة صغيرة في هذا العالم.

رغم حزنها الشديد إلا أن طيف ابتسامة حزينة ارتسم على وجه 'نورس ' حين سمعتها تناديها ' بالقملة الصغيرة '.

وحين جاء وقت الوداع حفرتا له قبرًا وأنزلتاه إليه.

قالت ' نورس ' تودعه:

' آسفة، سأذهب إلى البيت بدونك هذه المرة. '

أهالت عليه التراب حتى أغلقت القبر، وقبل أن ترحل لم تنس أن تأخذ نابه الطويل الذي تدحرج من فمه عندما سقط؛ لتجعل من ذلك الناب لاحقًا قلادة تربطها حول عنقها العمر كله.

سارت الاثنتان من هناك، ولكنهما لم تبتعدا كثيرًا حتى شاهدت 'نورس' شيئًا جعلها ترمش بعينيها عدة مرات؛ لتصدق أن ما تراه أمامها حقيقة وليس وهمًا يصوره لها الخيال:

' كان ' رعد ' يقف أمامها! '

الحمد لله كده خلصنا.

السّجيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن