[و كان الكابوس]
و في يوم من الايام الشتائيه حيث كان كانون يعصف غاضبا في الارجاء، غطت الام ابنها و قبلت جبينه ثم اقتربت من اذنه و همست له تهويده قصيره :" طفلي الصغير اليوم سينام. و سيحظى باحلى الاحلام .و غدا يوم للسلام، سنخلق على اجنحه الحمام. " .
ما لبث الطفل ان سمع هذه التهويده حتى غط و كالعاده في توم عميق ، فقبلت جبينه مره اخرى ثم خرجت من الغرفه،و اغلقت الباب بهدوء تاركه منفذا صغيرا ليتسلل منه الضوء.
نام الفتى بعمق و انتقل الى عالم الاحلام و لكن لم يكن كعادته حلما جميلا بل كان كابوسا مرعبا.
لقد كان وحده وحيدا في غابه مظلمه، كان خائفا ينادي والديه ، اخد يركض و يركض باحثا عنهما ، مناديا باسمهما ، و بعد قليل لاح له ظلهما في الافق البعيد ،فمسح دموعه و ابتسم "امي… ابي..!! "امي… ابي…!! " هررل باتجاههما و لكن ما هذا الذي يحدث? لم يبتعدان اكثر فاكثر كلما اقترب منهما ?هل يهربان منه ?ام انه لا يركض بسرعه كافيه ?و عندما شارف على الوصول و اقترب من ملامستهما تفتت الجسدان الى فراشات ملونه طارت مبتعده نحو السماء.
استيقظ من نومه مذعورا خائفا و هرع يجري في انحاء المنزل باحثا عنهما ، حتى اذ دخل غرفه نومهما لم يجدهما في السرير، نزل السلالم مسرعا الى غرفه الجلوس. واذا بامه تصرخ فور رؤيته "اهرب يا بني !!ارحل من هنا بسرعه! ابتعد قدر الامكان !!" لم يستجب الطفل لكلام انه بل تسمر ممانه و استرجع تفاصيل الحلم كامله ثم صرخ قائلا: " لا! لن ارحل ،لماذا اتريدين تركي كما فعلتي انتي و ابي في الحلم… سابقى الى جانبكما و لن ارحل ابدا… فانا احبكي يا امي..! "
ثم التفت بنظره الى يمينها و اذ برجل يتوشح الظلام ،و لم يبرز منه سوى عينان خضراوان تقدحان شرارا في عتمه الليل. فركض الصغير و امسك بثوب امه و اخد يشده قائلا :"اين ابي? اريده… اريد ان اراه.. و من هذا الرجل المخيف هناك… انا لم اره من قبل ما لذي يفعله في منزلنا?? و لماذا انتي خائفه هكذا?? "
حاولت الام ان تكون متماسكه و لكن خانتها العبرات فضمت ابنها الى صدرها و حضنته بقوه فبات شعره الحريري يستحم بماء عينيها و بصوت تملؤه غصات الحرقه و الالم همست في اذنه : "لا تقلق يا بني انا هنا من اجلك.. و ساحميك ."
فقاطعها قائلا: "انا اعلم هذا يا امي" ثم ابتسم و مسح الدموع عن خدي امه ، و تابع قائلا : "لا تبك ، فالانهات يجب ان يبتسمن دائما.. هذا! لننادي ابي ستتكلمان قليلا ،و انا متاكد انكي بعدها ستشعرين بالراحه. " و انا اجهشت الام بالبكاء و قالت: "والدك يا بني.. لقد رحل ، رحل الى مكان لا تستطيع ان تصل اليه حدود ابصارنا ، انه فوق لقد رحل الى السماء ، نحن لن نراه بعد اليوم ،لكنه سيرانا ." ثم التفتت و بعينين حاقدتين الى الرجل قائله :"ٱتعلم شيئا ، لقد هربنا من ويلات الحرب ،و الدمار، و الكراهيه ،حاولنا تجنب السقوط في سيول الدماء ... لم ندرك يوما اننا سنقع فريسه في بلاد الغربه ..لم ندرك انها ستنهشنا بانيابها… لم ندرك… لم ندرك ان الامر سيكون قاسيا هكذا… كل ما اردناه هو… "
قبل ان تكمل المسكينه كلامها ، لمعت شراره في الظلام ترافقت مع صوت مخيف و ضحكه ساخره متهكمه، توقف معها صوتها و تحول الى انين انقلب هدوء تاما في لحظات .
اكل لم تكن تلك بارقه امل ، بل كانت رصاصه اغتالت احلام الطفل و اغتالت حبه و الحضن الدافئ الذي لطالما لجئ اليه ، و تطايرت بقع الدم هنا و هناك ،كما استقر بعضها على وجنتي الفتى حيث سقتها دموعه .
اخذ فتانا يهز جثة امه بكلتا يديه و ما لبث ان لاحظ انها تتمدد فوق جثه ابيه ، كيف لم يرها? لماذا يحصل هذا?? تابع الهز طويلا و لكن ما من مجيب.، اخذ يقطع الصمت ببكائه المختنق و هو يتمتم متالما :"هل هذه لعبه اخرى ، انها غير مسلميه بتاتا… لا اود لعبها من جديد ..و هذا السائل الاحمر ان رائحته بشعه… لا اريد ان اراه او اشمه ارجوكما… افتحا اعينكما ،الم تعدا بايصالي غدا الى المدرسه لاتعرف الى اصدقاء.. "
و بينما هو غارق بدموعه اخس بالم شديد في راسه، ثم ما لبث ان اغني عليه دون ان يعرف ما اصابه.
و مرت ولك الليله ، لم ير فيها احلاما او حتى كوابيس ، لقد كان فقط مجرد ظلام ...