[لغز في اللاواقع ]
"اين انا ، ما هذا المكان ، انه جميل جدا ، و كأنه الجنة ." قال آرثر متعجبا ثم راح يتمشى في تلك الحديقة مترامية الاطراف . اخضرار في كل مكان ، و عبير النرجس و الليلك و الياسمين و الزنبق يملأ المكان ، اما الشلال فيتدفق من اعلى الهضبة و يصب برقة في بركة من المياه الزرقاء الصافيه .
بقي آرثر يمشي و لم يمل ابدا من رؤية تلك المناظر بل انه كان يتوق ليمتع ناظريه بهذا الجمال اكثر فاكثر ، و بعد وقت من الزمن احس بالعطش الشديد فاقترب من البركه ، مد يديه اليها حتى ملأهما بﻵلئ الماء النقي و احستى منه حتى ابتلت عروقه ثم عدل جلسته ووضع قدميه في الماء و بدأ يتامل الشلال المتدفق و كيف انه و برغم ارتطامه بمياه البركة فهو لا يعكر صفوها ابدا .
بقي على هذه الحال لساعات و ساعات لم يستطع خلالها التفكير في شيء سوى في هذه القطعه من الجنه حتى سمع صوتا ينادي من خلف الشلال "ها انت قد اتيت اخيرا " .
لم يكن هذا الصوت غريبا ، بل مألوفا جدا . اجل ، انه الصوت الذي يطارده في احلامه و يعكر صفو ملجاه الوحيد من قسوة العالم الخارجي .
"ارجوك تعال، اتبعني !" تابع الصوت
خاف آرثر كثيرا ، لم يرد ان يتبين مصدر الصوت فهو يخاف ان ينتهي هذا الحلم . اجل ، لقد كان يعرف بانه مجرد حلم و لكنه لم يرد قط ان يستيقظ . و هو واثق بانه لو اتجه الى مصدر الصوت فسوف تكون النهاية ككل النهايات ، سوف ينتهي في دوامه من الظلام اللامتناهي ثم يعود الى الواقع المرير .
"ساعدنا ارجوك " كرر الصوت رجاءه هذا مرات عده و لكن آرثر بقي جالسا مكانه يراقب بعينين زجاجيتين .بدأ الصوت يعلو و يعلو في المكان ، لم يعد يصدر من خلف الشلال فحسب بل من الزهور و الاشجار ، و الطيور و السماء ، و حتى قطرات الندى و المياه كلها تصرخ بصوت واحد "ساعدنا ارجوك!!!! "و ما لبث ان تحول ذلك الصوت الى بكاء و كأن صاحبه يتألم بشده .
بدأ آرثر يرتجف ، و اخذت دموعه ايضا تنهمر من عينيه "من انت ، ارجوك توقف !لقد تحولت احلامي الى جحيم بسببك ، اتركني و شأني!! انا لم اعد اتحمل هذا ، قل من انت و ما الذي تريده و ارحل !! اتركني ارجوك !!".
توقف الصوت فجاة و تلاشى البكاء ، فعم الصمت و لم يعد يسمع في المكان سوى صوت بكاء آرثر الذي ضم ركبتيه الى صدره ثم القى برأسه عليهما و كانه طفل صغير يفتقد الحنان . في تلك اللحظه مرت في خاطره محطات من الطفوله ، كلما شعر بخوف او حزن كان يبكي هكذا ، لم يرد يوما ان يرى احد دموعه ، لطالما اراد حضنا يخفي فيه ماء عينيه كباقي الاطفال و لكنه لم يجد سوى حضنه هو ليخفي فيه حزن ايامه .
و بينما هو على هذه الحال ، شعر بيد ناعمه تمسح شعره و كانها تهدأه و تواسيه ، فرفع وجهه المليء بالعبرات ليرى يد من هذه . فاذا هي امراة جميله ملائكية الوجه في حوالي العشرين من عمرها ، طويلة القامه ،ممتلئه الخدين ، حمراء الشفتين ، عيناها بلون النجوم التي تتالق في الليالي الحالكة ، و لكن هناك شيء واحد غريب فيها ، لقد كان شعرها ابيض اللون و كان الشيب قد نال منها .