[ذاكره الامس]
كان يوما حافلا، بالنسبه له، استيقط صباحا ،و تناول فطورا دسما، بيضه مسلوقه، و بعض الخبز و المربى، قليلا من الجبنه ايضا ، و كوبا من الحليب الدافئ، في البدايه رفض شرب الحليب فهو لا يحبه ، و لكن واله قال له بانه و ان لم يشربه فلن يصبح رجلا كبيرا، قويا و حكيما مثله ، مما دفعه لشرب كل ما في الكوب دفعه واحده.
ثم ذهب مع امه للسوق، من اكل شراء الزي المدرسي و الكتب المطلوبه، لقد استمتعا كثيرا فقد مرا بمحلات تبيع الحيوانات الاليفه، و قد اعجب بمنظر قطه تحضن اطفالها و ترضعهم ، و اصحاب العربات يهتفون هنا و هناك لبيع بضائعهم ، وصلا الى المكان المنشود، و اشتريا الزي لقد اعجبه كثيرا كان باللونين الازرق و الرمادي، اما الكتب فكانت قليله العدد، و معظمها للرسم و التلوين و تعليم القراءه ، لقد كان متحمسا حدا ليعلم ما هو مكتوب بين تلك الصفحات، و ليكتب عليها، تماما كنا تفعل امه التي كانت تعمل في مجال كتابه القصص و الروايات. كانت امه ترى السعاده التي تغمره فضمته الى صدرها قائله :"عزيزي يوما ما ستصبح شخصا مهما ، كاتبا ،محاميا، شاعرا ،عالما، طبيبا، لست ادري ماذا ستكون ، و لكن ستكون الافضل.. "
فابتسم قائلا :" لان اني قالت هكذا ساكون هكذا ..."
تابعا المسير و التمشي في السوق، و بينما كانا في طريق العوده الى المنزل ، لمحا في قارعه الطريق فتى صغيرا يبيع الازهار ، و اخر يمسح الاحذيه ، فاخذته امه من يده و اتجهت نحوهما، كان يراقبها كيف انحت ، و ابتسمت لهما، ثم قالت و بصوتها الحنون: "ماذا انتما فاعلان هنا يا صغيراي. "
-"نحن نعمل يا خاله. "
-"الا تذهبان الى المدرسه? "
-"كلا،"
-"لماذا?? "
-"نحن نعمل و هذا يكفي، نحن لا نحتاج المدرسه"
-"عزيزاي ، جميعنا نحتاج المدرسه. "
-"ارجوكي، ابتعدي، لا تسببي لنا المشاكل"
-"حسنا، فهمت ، لا بأس عليكما ."
مدت بدها الى حقيبتها، اخرجت مبلغا من المال ، و كتابا كانا تقرأه لابنها قبل النوم، و اعطتهما للولذين قائله :" هذا لكما، لا تخبرا احدا بان هذا المبلغ موجود معكما، استخدماه عندما تقسو الظروف عليكما، اما هذا الكتاب، فحاولا تعلم شيء منه ."
ثم ابتسمت و قبلت جبينيهما، و تابعت سيرها مع ابنها الذي بقي ينظر اليها مستغربا، حتى انه لم يسألها شيئا ، فكل ما كانت تفعله والدته كان بالنسبه له صوابا، بل عين الصواب،
وصلا الى البيت في وقت متأخر ، و قد كان الوالد ينتظر عودتهما، و فور وصولها دخلت الام الى المطبخحيث اعدت عشاء سريعا ، اكلوا، ثم جلسوا يتكلمون عن يومهم ، و ما حصل معهم ، قبل والده ثم اخذته امه الى السرير. "
***
احس اشعه الشمس تبهت ، تذكر ما حدث الليله الماضيه ، لم يكن حلما، لو احدى قصص امه الخياليه ، لقد كانت حقيقه ، واقعا نريرا يجي ان يتقبله اشاء ذلك ام ابى.
بكي،و بكي، و ماذا لابن العاشره ان يفعل غير البكاء، لم يدرك كم بقي في ذلك المكان، كل ما كان يفعله هو الجلوس في تلك الزاويه ، و مراقبه اشعه الشمس تظهر حينا و تتبدد حينا اخر، اما الباب ، فكان يفتح كل يوم مره ، يدخل رجل، يضع له خبزا و ماء و بعض الحساء، لكنه لم ياكل قط، كان جامدا لا يتحرك ، و كان جسده الصغير منحوته على ذلك الجدار الخشن، عيناه شاخصتان، و فمه مفتوح و قد جفت شفتاه، اما شعره الناعم الطويل ، فلا زال ينسدل على كلتا كتفيه، و قد بقي على تلك الحاله اياما و ايام ، حتى اذا داهمه الجوع و التعب و الانهاك و اصفر وجهه و ضاق تنفسه، سقط على الارض مغشيا عليه، و انسكب كوب الماء على الارض بجانبه ، و على سبيل الصدفه ، لم يدخل احد الى الغرفه الا بعد ثلاثه ايام من ذلك،.انه الرجل الذي كان ياتيه بالطعام ، و فور رويته بهذه الحال، هرع اليه يحاول ايقاظه ، و لكن ما من اجابه، او حركه او حتى رفه جفن.