[رحلة في الذاكرة]
بعد قراءته الرسالة ، احس بشعور غريب ، و كان ابواب الماضي شرعت امامه . كان طفﻻ صغيرا مشردا لا يعرف اهله ، يعاني الفقر و الجوع و الحرمان ، يعيش في ركن مزدحم من الشارع مملوء بالفقراء المتشردين و الباعه المتجولبن . لقد كان يذهب يوميا الى السوق لعله يجد من يعطف عليه فيعطبه قوت يومه .
و في يوم من ايام الصيف الملتهبه كان كل من في السوق منشغلا. فهذا يزين الساحة ، و ذاك يعلق اللافتات و اخر يجهز مع فرقته الموسيقيه البسيطه بعض الالحان العذبه . اما هو فقد كان يراقب من احدى الازقه الضيقه ثم تقدم من متجر الخباز ، و ساله "اتعلم ما يحصل يا عم؟" فاجابه بان الحاكم يزور المنطقه و بان الجميع يستعدون لاستقباله بحفاوه .
و عندما ساله من هو الحاكم ، اجابه بانه رجل يهتم بالناس و يمنحهم الشعور بالطمئنينه و الامان ، كما انه يؤمن لهم حياة كريمه .
شعر وقتها بالعضب يجتاحه و اخذ يقول في نفسه "ذلك الحاكم الكاذب ، الست من الناس ؟لماذا لا يلتفت الي و يساعدني و انا بامس الحاجة اليه؟"
بقي في السوق حتى انتصف الظهر و في تمام الثانيه عشره قرعت الاجراس ، عزفت المزامير ثم دقت الطبول ، حتى ملأ صوت الموسيقى الآفاق . اما هو فقد تسلل من بين الحشود المتزاحمه ووقف يراقب الموكب . لقد كان مشهدا رائعا رسم البسمه على وجهه فهو لم ير شيئا كهذا من قبل . فرق موسيقيه ، خيالة ، مشاة و جنود يسيرون بحزم ، رؤوسهم مرفوعه الى السماء ، و شموخهم يهز الارض تحتهم . و عندما راى العربه الكبيره السوداء المرصعه بالجواهر الثمينه وقف مدهوشا لجمالها ، لكن فجاه دفعه احد المزاحمين فسقط معترضا طريقها ، فضربه احد الحراس و انبه بعنف ثم رماه الى جانب الطريق ، و ما لبث ان اجهش بالبكاء . و بقي على هذه الحال حتى نزل من تلك العربه رجل طويل القامه ، ابيض الوجه ، بني العينين ، و قد سرقت السنون من شعره النصف ، وبخ الحارس ثم رفعه عن الارض ، نفض الغبار عن ملابسه ثم ساله عن اسمه و ان كان تائها من اهله فاجابه و هو يفرك عيونه بيديه ان اسمه آرثر و بانه تائه منذ ولد . ثم عاد و ساله عن عمره و مكان سكنه فاجابه بانه في العاشره من العمر و بانه لا يمتلك مسكنا . ثم اضاف بانه يبحث عن الحاكم ، فهو رجل شرير و لا يؤدي عمله جيدا ، فهو لا يعتني به.
ضحك الرجل ، ثم ربت على كتفه قائلا :" يا له من شرير حقا ! كيف يسمح ببقاء غلام ذكي مثلك في هذا الوضع المزري ! انا اعرفه جيدا و سآخذك اليه . "
بعد سماعه ذلك الكلام عادت البسمه الى وجهه و ذهب معه ، حتى اذا ما وصلو الى القصر كشفت الحقيقه و علم بان هذا الرجل هو الحاكم .
*****
يا الهي كيف اخذله و هو من انتشلني من حزني و تشتتي! لكن لا اظنني قادرا على مواجهتهم! حتى و لو ترسل الي القائد سينشي المساعده ، فانا لن اقوى على هذا . و كأن الضباب يغطي الطريق الى عقلي و قلبي ، كلاهما يصرخ ، و لكنني لا اسمع . و كان هناك ما يصم اذني !
ما قراته ، ما عرفته ، كل هذا ...لقد بدات الامور تختلط ! و لكن مبادئي ، قيمي و كل ما آمنت به يوما ، و حتى الجميل الذي علي رده . كلها تدفعني الى القبول بالامر الواقع و الموافقه على خطه السيد سينشي .
سيدي الحاكم ... انا اعلم انك تسمعني ... شكرا ، شكرا جزيلا لك ...على كل شيء ، اظن انني اتخذت قراري اخيرا . لقد حان الوقت... و سارد لك الدين !!