[ فتاة القمر]
مرت الايام و الجميع على حاله.. اشتعلت الثورة في البلاد املا بتنحية ادولف الذي وضع قوانين استبداديه ...اما الفريق ،فكل يبحث لاجل انجاح ما سعوا اليه ... بعيدون عن بعضهم ... متشرذمون متفرقون ... لا تجمعهم سوى ارواحهم و عزيمتهم و تلك القلاده في اعناقهم ...
لا احد منهم يجد الراحه ... و خاصه آرثر و ماسارو اللذان يتألمان كل يوم للسيطرة على تلك القوة المتمردة ... و مع مرور كل يوم تتوطد علاقتهما اكثر و يتطبعان بطباع بعضهما ... حتى اصبح لماسارو مثل اعلى يقتدي به ... و في فترة التدريب تلك كان آرثر يزداد برودا يوما بعد يوم و كذلك ماسارو الذي بدا له العالم مستنقعا مظلما يعج بانواع الكراهيه و الاسى ... تلك الحياة التي لم تره سوى جانب واحد مظلم لا تلمع فيه سوى بارقه امل الا و هي الحب الذي اكنه لآمايا ، هانا ، غابرييل ، آرثر و الجميع .. عزلته جعلته يكره ان يعاني هو و من يحبهم وحده ..، تعلقه بهم جعله يخاف فقدانهم ... تفكير الفتى الذي يعبر الجسر الذي يصل الطفولة بالمراهقه كان بريئا يحمل في طياته طموحا و اخلاما مؤلمة .. طالما تمنى لو يعود الزمن الى الخلف ليمنع كل ما حصل ، ان يلعب بعقارب الساعه لعل الزمن يعود الى سنين مضت ... ان يمنع والديه من الهجرة الى حيث سيموتان .. لكنه كان يدرك بان هذا مستحيل .. هو لن يتمكن من انقاذهما لان الموت كما قال له آرثر يوما هو شيء لا يمكن للبشر التحكم به ... الموت يأتي بغتة ليقتلع الارواح و يترك خلفه قلوبا محطمه حزينه .. ان الانسان لن يدرك ابدا في اي ارض او زمان او مكان او طريقة سيموت ... تلك الافكار جعلت من نومه كابوسا و من حياته كهفا لا مكان فيها الا لمن يحبهم .. و من قلبه قلبا ينبض بالعطف و الحب و الكراهيه ... و كيف يمكن للكراهيه ان تجتمع مع الحب ... اليست هذه سخرية؟! ان تجتمع الاضداد ... و اي سخرية في ذلك .. فالحب يدفعك الى الكراهيه و الكراهيه تدفعك الى الحب.... في هذا العالم كل شيء يتكون من الاضداد .. و لا يمكنك ان تشعر بشيء دون ان تستشعر ضده ... الكراهيه تولد الحب .. و من الالم يولد الامل ... و من بين طيات كتاب الدموع تشرق ابتسامة ...
اما آرثر فكان كل يوم بعد ان يتاكد من ان ماسارو و هانا و غابرييل قد ناموا من شدة التعب ... يستاذن راي للذهاب الى النهر القريب من القصر فيأذن له ...
كان يجلس دائما و يخاطب النجوم ... المياه و القمر يشكوا لهم المه رغم انه لا يراهم ... و لكنه يحاول تخيل المكان الذي حفظ الطريق اليه جيدا ... و في ليله مكتملة البدر بينما كان جالسا غارقا في تفكيره سمع صوتا غريبا رقيقا و عذبا يقول له : "يا فتى النهر اليس القمر جميلا اليوم .. قرص ابيض غارق في عتمة الليل و سكونه ... يداعب بنوره مياه النهر و يلامس الافق البعيد ليشعل في القلب نيران الحب و الطمأنينه .".. سكت ذلك الصوت ينتظر ردا .. و لكن ما من اجابة لذلك اردف قائلا :"من انت ؟ انا اراك يوميا تأتي الى هنا مع المغيب و ترحل مع بزوغ اول خيط من خيوط النور ... و سقوط اول حبات الندى من على غصون شجرة الليمون." و استرسلت في الحديث قائلة :"هيااا ، قل شيئا اليس لديك لسان لتتكلم ؟! "
و هنا ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة و قال لها :" ماذا ساقول بعدما قلته يا آنسة .. انا لم اسمع يوما كلاما عذبا ككلامك ... لم تتركي لي شيئا لاقوله ... ثم لم انتي تتحدثين الي الا ابدو لكي شخصا خطيرا ؟! الا تخافين التجوال وحيده ليلا. و التكلم الى شخص لا تعرفين من هو او من اين اتى ؟ هذا زمن لم يعد فيه للامان وجود فالقوي ياك الضعيف و كل يبطش بمن حوله .. لا تقولي لي بان منطقتنا هذه محايدة و آمانة فانتي بالتاكيد من السكان و بالتاكيد تعرفين بامر الخروقات التي تحدث .."
لدى سماعها هذا ضحكت بشده و كانها سمعت دعابة ما ثم قالت :" خائفه ؟! و مما اخاف ... امن ظلمة السماء .. ضوء القمر ينير دربي ، امن هدوء الليل ؟! هذا الهدوء الذي يصفي عقلي و يبعدني عن مشقات الحياة .. كيف اخاف و هذا المنظر البديع امامي ؟! كيف اخاف و نجم الشمال ينير طريقي و يلمع في عيني ؟! كيف اخاف و اشجار البستان من حولي تشكل سياجا يحميني ...." سكتت قليلا ثم بدأ صوتها يصبح اكثر عمقا و حزنا انزلت راسها ثم رفعته الى السماء قائلة بخجل :" كيف اخاف ... و انت هنا كل يوم .. جالس امامي تؤنسني رغم انك لا تعلم حتى بوجودي ..... الحزن ، الالم ، الخيبه مشاعر تجعل الانسان ينزوي وحيدا منعزلا عن العالم ، يجرجر ورائه اذيال اليأس فيحط برحاله على القلوب ليمنعها من الحياه ليجعلها تعاني ... اليس هذا ما تفكر فيه دائما .. "
-" كيف ... كيف عرفتي كل هذا ... " قال و هو يحاول اخفاء تلبكه .
-" مذ رايتك قرأت هذا في وجهك ... قرأته في عينيك اللتان تعكسان النور دون ان تراه ... قرأته في محاولتك التنقل في هذا البستان الواسع و مجيئك الى هذا المكان الجميل رغم انك لا تستطيع رؤية شيء من جماله ... انت تأتي فقط لتتذكر المك ... قراته في دموعك التي اسمع صداها يوميا تنزل لتختلط بمياه النهر ... "
و قبل ان تكمل كلامها قاطعها قائلا :" ما هو اسمكي يا آنسة .."
فابتسمت بمرح و اجابت :" اسمي هو. ...... انه سر .."
-"سر!!"
-" اجل انه سر ... الاسماء لا تهم ..بامكان الانسان ان يسمى اي اسم كان و لكن انا اظن بان الاسم ليس الذي يناديك به الناس .. بل هو الاسم الذي تناديك به روحك و يناديك به ضميرك .. و حبك .. و قلبك .. :
دهش من كلامها .. هذه الفتاة انها ... كلامها ... انها تلامس جروحه ... فقال لها و بدون وعي : " اما انا فاسمي هو آرثر ..."
-" اسمك جميييل .." قالت و هي تتراقص بين الاشجار ثم اقتربت منه و مدت يدها لتصافحه قائلة " تشرفت بمعرفتك ! يا فتى النهر آرثر " فرد الابتسامه و مد يده مصافحا :" و انا تشرفت بمعرفتكي يا فتاة القمر ." احمرت خجلا ثم اجابت :" حسنا هذا اسم جميل شكرا لك .... هل بامكاني مشاركتك مكانك هذا كل يوم "
-" بالتاكيد ... في الواقع هو مكانكي ايضا ... " قال ثم جلسا سويا على صخرة منخفضة و جعلا اقدامهما في المياه الباردة و عاد الصمت ليخيم ثم ليخترق بصوت دندنتها لالحان عذبه ليتردد صداها في المكان ...
و بمجرد ظهور خيوط النور الاولى اختفت و رحلت مع ارتفاع غطاء الليل ... رحلت كما ظهرت كالنسيم ... و عاد آرثر الى القصر يأمل لقائها مرة اخرى .
و عندما وصل ايقظ الجميع ... تناولوا الافطار ... سمع لماسارو و هو يقرا قصائدا و بتض النثر ثم عادوا الى تدريبهم المعتاد ... حروق ... اعضاء من اجسادهم متجمده ... جراح ... و لكن كل شيء يشير الى انهما باتا قاب قوسين من السيطرة التامة على قواهما ...