.

442 29 17
                                    

[ شبح الانتقام ]

تتالت الايام و الليالي و ازداد تعلق آرثر بفتاة القمر ... كان يثق بها و يخبرها تفاصيل يومه كاملة .. يخبرها عن ماسارو و شبهه به ... و كم انه يحبه و يتمنى لو يبقى الى جانبه للابد .. عن هانا و غابرييل و اعجابهما المخبئ بين الكلمات .. عن السيد راي و قسوته .. اما هي فكل ما تفعله هو الانصات ... كان يرتاح عند مقابلتها .. يشعر بان هناك من يهتم لسماع تفاصيل يومه الممل ...

و في ليلة سألته بحماسة :" اين ولدت يا فتى النهر آرثر ؟"

في الواقع لقد كان سؤالها كالصاعقة التي هبطت على المنزل المهجور فغدا رماد ... سؤالها هذا حرك في قلبه اوجاعا قديمه ... غبار الماضي الضبابي ...حاول اجابتها و لكن كل ما خرج من فمه كان :" نسيت هذا منذ زمن طويل ... في الواقع انا لا اعرف من انا ... من اكون او من اي ارض اتيت ... انا لا اعرف اي شيء عن ماضي البعيد .. في الواقع حتى اسمي لست متأكدا منه .."

-" هذا غريب ... و لكن هل تذكر ماضيك القريب .."

-" بالتاكيد ... و من يمكنه ان ينسى تلك الايام ..." اجابها بحرقة ... " تلك الايام التي لا اذكر منها سوى شيء واحد .."

-" ما هو ذلك الشيء " تسائلت بحيرة ، فاجاب بغصة :" انه الانتقام و فقط الانتقام !"

-" الانتقام .... لماذا ؟"

-" الانتقام لكل شيء ... لقلبي المحطم .. لعقلي المشرذم ... لقنوطي و خيبتي ، لكبريائي الجريح ... لاحلامي و الاحباب الذين رحلوا و لن يعودوا ابدا ... هذه الحياة لم تذقني سوى الاسى ، جرعتني الالم حتى بت جسدا بلا روح ... فكت مرات عدة لماذا اعيش ... لماذا لم امت بعد ... حاولت قتل نفسي .. لعلي ارتاح ... لكنني كنت جبانا ، لم استطع فعلها .. ربما انني لم اصف حسابي بعد .."

-" اي حساب هو هذا. ؟!"

-"انه حسابي مع الشر في هذا  العالم ، مع اشخاص قساة لا يرحمون و لا يريدون لغيرهم السعاده ، انا احيا اليوم لاجل هدف واحد هو الانتقام .. اتنفسه ، اتذكره مع كل حركة و سكنة ... اشعر به كلما فتحت عيني و لم اتمكن من رؤية النور ... اتعلمين ... احيانا اتمنى لو ان الانسان يستطيع كتابة قدره .. ربما عندها كان كل شيء سيكون مختلفا ..كنت ساكون سعيدا بين من احب . "

-" ماذا سنستفيد عندها ؟!، لو كانت الرياح تسير كما تشتهي السفن لما اكتشف الانسان القارات ... لما بقي سمك في البحر ... و لما غرقت سفن لتغدو اساطير و قصصا يرويها الاجداد للاحفاد ... لو كان بامكان الانسان ان يكتب قدره لما كان للحياة معنى ، لما كان لها هدف او قيمه، لما مات ناس ليولد بدلا منهم الآلاف..لو كان بامكاننا كتابة قدرنا لما كنت التقيت بك و لم نكن لنعﻻف جمال الليل و سحره ... صدقني، ان الذين يعيشون في القصور و ينامون على الحرير و الريش ليس حالهم افض ممن ينامون في الشوارع و الساحات ، محبوسون في ابراجهم العاجية لا يغادرونها ليروا ما هو اكبر ... نجن البشر الارض هي بيتنا و السماء هي السقف التي نحتمي به ..ان البعض يظنون بان السعادة تشترى بالمال .. و لكن هناك طريق وحيد للسعاده الحب و الصداقة ... "

غرباءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن