البشرية المخادعة 34

19.7K 1.4K 190
                                    


( البشرية المخادعة )


راقبتُ أخي حتى غادر، لم يكن مقتنعًا ولم يصدق أن إيرين بريئة، وكذلك أنا.

كنتُ أعرف أنها كانت تسترق النظر إلينا قلقة وخائفة، رغم أنه يُفترض بها أن تكون قد نسيت كل شيء الآن بعد سحري.

عدتُ للداخل ودخلت إلى المطبخ، حيث كانت لوكيريا هناك تغسل الصحون.

وضعتُ يدي فوق الطاولة، وكنت أفكر في شيء واحد فقط:

"إيرين مخادعة. إيرين تمتلك عشبة الفهالا."

قاطعتْ لوكيريا تفكيري قائلة:

"سيدي، هل تريد شيئًا؟"

التفتُّ إليها وقلت بهدوء:

"لا، شكرًا. تابعي عملكِ."

ابتسمتْ ابتسامة لطيفة قبل أن تعود لعملها، وفي تلك اللحظة تذكرت لقائي الأول بإيرين.

كانت في المكتبة وفي يدها كتاب. عرفتُ أنها تجيد الكتابة والقراءة، وهذا من المحظورات، بل من أشد المحظورات؛ فلا ينبغي أن يتعلم البشر، فكل ما نحتاجه هو دماؤهم، لا عقولهم.

سكان تلك المزرعة خطرون على ما يبدو، وإيرين ليست بالبراءة التي تدّعيها. ربما هي حقًا تعرف كل شيء وتعرف أين قد يكون البشر.

فهمتُ أخيرًا لماذا طلبت لقاء شقيقها... شقيقها قائد ثورة البشر. من المؤكد أنها كانت تريد إطلاعه على المعلومات التي اكتشفتها. آه، كم كنتُ أحمق حين استهنتُ بها.

رغم اكتشافي لما تخفيه، لم أستطع إخبار جايدين. فلن أسمح أن يصيبها مكروه. أنا أحب تلك البشرية الخطيرة المخادعة، وسأحميها.

إنها تمتلك نبات الفهالا، ولا أعرف من أين حصلت عليه. ربما أحضره سامي لها.

أوه، تذكرتُ ذلك الإناء الذي كانت تحتضنه عند وصولها إلى هنا. ربما لم يكن يحوي رفات والدتها فقط؟

إيرين خطيرة، بل هي كقنبلة موقوتة الآن. كان بإمكانها قتلي في أي وقت وبسهولة تامة، لكنها تعرف أنها تحتاجني. هل كانت تكذب وتدّعي؟ هل أحبّتني حقًا؟ أم كان كل ما بيننا كذبًا؟

السافلة اعتقدت أن بإمكانها خداعي وتمثيل الوقوع تحت سحري دون أن أكتشف ذلك. لكني لاحظتُ ارتباكها عند دخولي إلى غرفتها؛ كان واضحًا جدًا أنها كانت تبحث عن شيء. وعند اقترابي منها، شممتُ رائحة كريهة وغريبة، رائحة جعلتني أشعر بالدوار والمرض، شعور لم أشعر به منذ أكثر من خمس عشرة سنة، عندما كنت بشريًا ضعيفًا يمرض ويتعب.

عرفتُ على الفور أن تلك الرائحة لم تكن رائحة عادية، ولا حتى رائحة صندوق المجوهرات العتيق كما حاولت إقناعي. كانت الرائحة في فمها، وحاولتْ إغوائي، وبدا عليها التوتر والزيف وهي تفعل ذلك، وفجأة هربتْ من أمامي كي تشرب الماء.

مزرعة البشرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن