38

3.1K 164 25
                                    

نزلت من السيارة ناظرة حولي.. المكان أشبه بجرف.. سرت إلى الحافة ونظرت إلى الأسفل.. المكان هادئ والمنظر جميل من هنا.. هذا مريح نوعاً ما.. أخذت نفساً عميقاً ليدخل الهواء منعش

"مرام " ناداني بدر لألتفت إليه.. أشار لي بالاقتراب.. ذهبت إليه ووقفت أمامه ليحملني ويجلسني على مقدمة السيارة.. دخل السيارة ليعود بعد ثوانٍ حاملاً صندوق الطعام الذي كان يجهزه عند عودتي من الجامعة.. اتكأ قربي ومد الصندوق إلي

"بالعافية.. مو جوعانة" قلت وأبعدته قليلاً

"متأكدة؟" اومأت له بإيجاب
"بكيفك.. أنا باكل" أخرج شطيرة وبدأ يأكلها.. عدت لأتأمل المكان

#بدر

بدأت آكل أمامها لأجعلها تجوع لكن لا يبدو أنها تعيريني أي انتباه.. ليس من عادتها رفض الطعام.. هذه أول مرة لا تشاركني فيها طعامي.. الأمر غريب.. عادة ما تأتي لتأكل معي دون أن أطلب منها مشاركتي حتى ولكنها رفضت رغم أني طلبت منها ذلك هذه المرة

"بدر" التفتت إلي

"نعم"

"الأرواح يقدرون يشوفونا صح؟" سألت مشيرة إلى السماء

"إي" أجبت لترفع يدها ملوحة للسماء بابتسامة صغيرة

"اشتاقيتلكم" همست
"ماما.. اشتاقيتلج هواي.. اشتاقيت لبيتنا ولمرجوحتي ولصوتج وانتي تغنيلي.. لهيلا يا رمانة بصوتج الحلو" قالت بابتسامة مكسورة
"تدرين شي؟.. مرامج تعبانة.. مخنوقة ومحتاجة حضنج" قالت بغصة.. تنهدت ومسحت عينيها بأكمامها
"خالتي شلونها؟" رفعت نظري إلى السماء أيضاً
"قوليلها بدر ومرام مشتاقيلج هواي.. قوليلها الكل هنا اشتاقولج ويحبوج.. انتبهيلها ولا تخليها تزعل لأن قلبها طيب وما زعلتني أبد" قالت ثم نزلت عن السيارة.. أمسكت يدي وعادت بنظرها إلى السماء
"وانتبهي لإبننا" ضغطت على يدها لا إرادياً
"قوليله إني منتظرة أشوفه بباب الجنة لأن مرة سمعت إنو الطفل الي يموت قبل ما ينولد يشفع لأمه وأبوه بيوم القيامة.. انتبهيله لأن بعده صغير" قالت آخر جملة بقلق.. هذه البراءة التي تحملها في عينيها.. إنها مجرد طفلة.. كيف كانت ستصير أماً بهذا العمر الصغير؟.. أحقاً كانت حاملاً؟.. وقد أجهضت أيضاً؟.. كيف استطاعت تحمل كل شيء وحدها؟.. لو كانت أي فتاة بهذا العمر مكانها لانهارت منذ شهور ولكن هي ما زالت واقفة على قدميها تقاوم.. كم أنها قوية.. التفتت إلي بينما تمسح عينيها بأكمامها
"إيدي" قالت

"إيش؟" قلت مستفهماً

"إيدي.. حتكسرها" قالت بضحكة.. أنزلت نظري إلى يدي التي تضغط أصابعها بقوة لأفلتها بسرعة

"آسف" قلت بينما أطلق أنفاسي بارتباك

"بردت" سارت لتركب السيارة.. ركبت إلى جانبها وشغلت المدفأة

"مرام" قلت بعد عدة دقائق من الصمت
"تكرهيني؟" سألت لتظهر ابتسامة خافتة على وجهها دون أن تجيب.. عدت لأنظر إلى الغيوم الرمادية الكئيبة.. بقينا نراقب السماء بصمت حتى الغروب.. كانت هي تمسح دموعها بين الحين والآخر

لكنها صغيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن