دخلت إلى بهو الشركة و أمها وراءها مشدوهة لضخامة البناية و كثرة العاملين فيها. تسمرت مكانها وهي تقف أمام مكتب الإستقبال ثم إلتفتت لوالدتها :"ألا تلاحظين الكآبة على وجوههم؟ أنظري كلهم بلباس أسود و أبيض كأنهم بجنازة!" رمقتها والدتها بيأس "هل تعتقدين أنك ذاهبة لحفل زفاف مع صديقاتك الفاشلات؟ هذا زي عمل موحد أم أنك تريدينهم بلباس المهرجين؟!"
برمت شفتيها ثم إلتفتت لعون الإستقبال لتستفسر لكنه أدهشها عندما بادرها بالسؤال إن كانت هي المهندسة "لارا". تسمرت قليلا ثم ردت بإبتسامة أشرقت بوجهه "أجل". رفع حاجبه وهو يفكر كيف يمكن لفتاة مثلها أن تشتغل مع مديره، ثم طلب منهما أن تتبعانه... رافقتاه للطابق العلوي وهو من خلف الشاشات يراقبها، القلم بيده يتحرك بسرعة تعكس توتره... إلى أن سمع أصواتهم في الجزء الأول من مكتبه " تفضلا، سيأتي المدير حالا"
تحرك من مكتبه و فتح الباب قليلا دون أن تنتبها لشيء... طاقتها تملأ المكان، كأنها شمس تشرق داخل مكتبه الكئيب..بقي متسمرا في مكانه وهو يحاول تهدئة نفسه... إلى أن سمعها تتكلم "أراهن أن كل من يشتغل هنا مريض نفسي! أنظري إلى الديكور! رمادي قاتم ونوافذ طويلة وضيقة ! هذه ثلاجة موتى!" نهرتها والدتها فيما إنفجرت هي ضاحكة "هل فعلا تعتقدين أنه يمكنني العمل بمكان كهذا؟" ثم وقفت وهي تتحرك بنشاط داخل الغرفة "هنا إطار كبير بعرض الحائط، ألوان و أضواء... هذا الصالون الأسود لو يصبح أحمرا؟" نهرتها والدتها مرة أخرى فجلست و صمتت.
أغلق الباب برفق و رجع لمكتبه... مرت دقائق قبل أن يأتي مساعده. إعتذر عن التأخير وجلس يسألها أسئلة روتينية ووالدتها متوترة أكثر منها، فلطالما حلمت بوظيفة مرموقة لوحيدتها، وها قد جاءتها الفرصة أخيرا.
كان يستمع لكامل الحوار الدائر في المكتب المجاور له، إلى أن طلب مساعده منها أوراقها الرسمية... إندهش وهي تسلمه "فلاشة"
- هنا ستجد كل شيء سيدي،
أجابته ببساطة جعتله لا يتماسك نفسه عن الضحك قائلا "لم أر بحياتي ملف شغل مثل هذا!" أجابها وهو يغادر ملوحا بال"فلاشة" ليستخرج أوراقها...
في حين بقي هو وراء الباب و نظراته الحادة ترمقها، ووالدتها ترفسها من تحت الطاولة بكل قهر "فلاشة يا لارا؟ فلاشة؟!! هل عندما قلت لك أن تتجهزي قصدت فلاشة؟"
دخل المساعد بعد لحظات ليجد الفتاة واقفة بعيدا عن والدتها ووجههت أحمر... إستغرب لكنه لم يسألهما بل إكتفى بمصافحة لارا قائلا :" تهانينا، الأسبوع القادم يمكنك بدء العمل معنا"
لم تصدق والدتها ما سمعت أذناها فوقفت بسرعة من فرط سعادتها، في حين إكتفت هي بالإبتسام وشكره على هذه الفرصة.
خرجتا أخيرا من الشركة وهو واقفا وراء نافذته يراقبهما... دخل مساعده وظل واقفا وراءه...
- لكنها بدون خبرة يا سيدي..
- لا يهم، ستتعلم مع الوقت.
- هل هناك أوامر أخرى؟
- أجل، أريد تغيير الصالة للون الأحمر.
فتح مساعده عيناه مندهشا، لكنه لم يستطع فهم عقل مديره طيلة هذه السنوات... "حسنا، سآمر بتغييرها حالا" ثم إنسحب تاركا مديره على نفس الحال واقفا أمام النافذة وعيناه تضيقان مع إبتعادها عن مقر عملها الجديد...
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...