كانت تراقبه أثناء العشاء... يكتفي بإبتسامة خفيفة كلما تقاطعت عيناهما... حافظ على سكونه حتى أثناء السهرة...
ستعتاد وجودها... ستكون هي نهارك وليلك... ستكون أنفاسك و نبض قلبك...
إستسلم للنوم دون أن تنتبه له... لاحظت وقوف باري ليستأذن منهما قبل الإنصراف... رفعت عينيها من على الكتاب لترى زوجها نائما كالطفل... غالبتها الإبتسامة و فضحتها عيناها وهي تقترب من باري هامسة "شششش... لقد نام"
فتح عينيه مندهشا ثم إستدار ناحية الأريكة ليتأكد "تعلمين؟ أعمل هنا منذ سنوات، هذه أول مرة أراه ينام هكذا"
- كيف "هكذا"؟ سألته بفضول واضح
أشار إليه هامسا "هكذا! باكرا و بالصالة. بالعادة لا ينام إلا متأخرا و بغرفته بعد التأكد من إغلاق جميع الأبواب والنوافذ"
برمت شفتيها... واضح لديه هوس ما... يدقق بكل شيء عديد المرات... لاحظت هذا الشيء طيلة عملها معه... والآن بالبيت أيضا...
نظرت إلى النافذة... كانت العاصفة قوية خارجا "هل حقا تريد الخروج بهذا الطقس السيء؟"
تململ قليلا فأكملت "لا أعرف لكن يوجد العديد من الغرف بهذا البيت، لما لا تنام بإحداها؟"
- بلى، لدي غرفة خاصة... لكن...
- حسنا ! واضح أنك لن تغادر الليلة...
- العاصفة قوية... هل تريدين شيئا قبل أن أنام؟
- لا شكرا... تصبح على خير...
إبتسامتها جميلة... بدأ يفهم سبب تعلق ريان بها... لطالما حاولت الجميلات الإقتراب منه... لكنه كان يبني أسواره عاليا ليصدهن... إلى أن أتت من حطمت جدرانه ... ليست كالبقية... جمال روحها إخترق حصونه... عيناها تشعان حبا وهي تسدل الغطاء عليه... إنصرف باري لغرفته مبتسما... فسيده يستحق السعادة... و لارا ستكون موطنه...
لم تتمالك نفسها عن تأمل وجهه وهو يغط في سبات عميق... بريء رغم كل شيء غريب يحيط بشخصيته... ركعت جنب الأريكة و بقيت تدندن أغنية للأطفال كان والدها يغنيها لها لتنام...
شعر بذلك... شعر بأنفاسها قريبة من وجهه... لم يتجرأ على فتح عينيه... كان خائفا... لامس شعرها جبينه فجأة... شفتاها حارقة على خده...
ماهذا؟! أصبح قلبه يتسارع بجنون... يصرخ داخل صدره... تماسك ريان! لا تستيقظ! إياك !
سمعها أخيرا تطفيء النور وتغادر... فتح عيناه... شعور صعب و قوي جدا.... غطى كامل وجهه حتى لا يتنفس رائحة عطرها... لا يمكن ! الأمر ليس هينا!
جلس في مكانه وراقب غرفتها المغلقة... نهض من مكانه... بقي أمام النافذة يراقب تساقط الثلوج... مر بعض الوقت قبل أن يهدأ و يعود للنوم...
إستيقظت صباحا... لم يكن موجودا بالبيت... أخبرها باري أنه غادر باكرا...
أكملت حمامها ثم بقيت تشاهد إنعكاسها على المرآة... الأمر غريب جدا... كيف يمكن لشخص أن يرى نفسه كل يوم بهذا الشكل!
طلبت من باري الجلوس على الطاولة أثناء الفطور... لا بد أنه يعلم الكثير عن زوجها... وهو فهم ذلك أيضا، فجالسها لعلها تجد بعض الأجوبة لأسئلتها...
- هل كل المرايا في البيت هكذا؟ أشارت برأسها إلى الحمام
- لا يوجد غيرها بالبيت.
توقفت عن شرب قهوتها ورفعت حاجبها "إنه لأمر غريب فعلا! من المزعج أن تستيقظ صباحا لتشاهد شكلك وقد تغير بتلك الطريقة!" أدارت كفها حول وجهها ببطء "كأنه سحر شيطاني! أليس كذلك؟"
إبتسم باري :" لا تبالغي إبنتي! إنها مجرد مرآة!"
لا! الأمر ليس بسيطا! ليست مجرد مرآة! يوجد مثلها بمكتبه! لماذا يتعمد رؤية نفسه بتلك الطريقة؟ ترى مما تهرب؟ مما تخاف يا ريان! ... كل الأسئلة تدور في عقلها بجنون... لاحظ باري شرودها وهي تحتسي القهوة... عيناها تلاحقان الفراغ...
- ريان ليس رجلا عاديا... حاولي فقط فهمه و إلا سوف تصطدمين بصخرة عالية جدا...
رفعت رأسها و لاحقته عيونها وهو يتركها ليعود لعمله... ماهذا الآن! إنه يلمح لأمر ما لكن من الواضح أنه متكتم بكل شيء يخص سيده!
نهضت بسرعة و خرجت... عادت بعد ساعتين تقريبا و بيدها علبة كبيرة...
عاد زوجها إلى البيت عند الظهيرة... إبتسم لها كعادته كلما أراد تحيتها... تناولا الغداء و ذهبت إلى الصالة منتظرة ردة فعله...
صوت زجاج إنكسر بعنف على الأرضية! سارعت هي و باري إلى الحمام لتجده قد حطم المرآة الجديدة التي علقتها مكان القديمة... بقيت تنظر إلى الشظايا بكل مكان... رفعت عيناها إليه وهو يغادر غاضبا... لم يرد حتى النظر إلى وجهها!!
"ماذا فعلتي يا إبنتي! ماذا فعلتي!" تمتم باري وهو يلتقط الشظايا من على الأرض... لم تفهم شيئا... سارعت لتلحق زوجها لكنه كان قد خرج... وقفت خلف الباب تشاهد سيارته تبتعد ...
أربكها حاله كثيرا .. تملكتها الحيرة وهي تغلق الباب... عادت للوقوف خلف النافذة... لا تعرف سبب حزنها... تشعر بالألم وعقلها يتساءل... ما مشكلته يا ترى؟!
أنت تقرأ
يد القدر
Romanceالقدر قد يخبئ لنا حياة جديدة، عندما تتقاطع طرقنا مع أناس ربما يحملوننا بعيدا عن أنفسنا...